Monday, September 14, 2009

فى بلد الأرز 1 - بيروت..




لبيروت.. من قلبي سلام لبيروت
وقبل للبحر والبيوت
لصخرة كأنها وجه بحار قديم
هي من روح الشعب خمرهي من عرقه خبز وياسمين
فكيف صار طعمها طعم نار ودخان
فيروز...

الموضوع على موقع بص وطل:

http://www.boswtol.com/5gadd/nsahsah_265_016.html


كل شيء داخل طائرة خطوط طيران الشرق الأوسط يؤهلك لاستقبال لبنان.. أنغام موسيقى فيروز الهادئة التي تنبعث داخل الطائرة.. وجوه المضيفين والمضيفات الجميلة الناطقة باسم لبنان.. من مجلة "أجندة الأرز" التي تصدرها شركة الطيران إلى الصحف اللبنانية الشهيرة التي توزع لتتسلى بها طوال الرحلة..
تسترخي في مقعدك وتنظر للبحر الممتد بلا نهاية من نافذة الطائرة.. عندما ينتهي البحر ستظهر بيروت.. بيروت بكل ما يحمل لها المصري من معزة خاصة.. بيروت الحبيبة في فيلم "أبي فوق الشجرة" وأغاني فيروز وأشعار نزار قباني ورواية صنع الله إبراهيم الشهيرة.. بيروت باريس الشرق في الستينيات، والحرب الأهلية في السبعينيات، والاجتياح الإسرائيلي في الثمانينيات، واتفاق الطائف وحملات إعمار لبنان في التسعينيات، واغتيال الحريري و14 آذار، وانسحاب الجيش السوري، وحزب الله، وحرب لبنان الأخيرة.. بيروت وشهرتها الفائقة في الفتيات الحسناوات من أول نانسي عجرم إلى أصغر عاملة في ملهى ليلي في الجميزة في وسط بيروت التجاري!
يوليو 2009.. لحسن حظى أزور لبنان في فترة مهمة جداً من تاريخها.. سعد الحريري زعيم تيار المستقبل قد فاز في الانتخابات ولا يزال عاكفاً على تنفيذ المهمة العسيرة جداً في بلد مثل لبنان..
تحمل هذه الأيام الذكرى الثالثة لبدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان عقب عملية الوعد الصادق التي نفذها حزب الله واختطف خلالها ثلاثة جنود إسرائيليين.. 2009 أيضاً عام مميز لبيروت.. اختيارها عاصمة عالمية للكتاب ووضع دليل النيويورك التايمز السياحي لها في المرتبة رقم واحد في قائمة المدن التي ينبغي زيارتها هذا العام.. صنفها دليل lonely planet السياحي الشهير كإحدى المدن الأكثر حيوية في العالم في 2009 أيضاً..
أتيت هنا من أجل حدث فريد من نوعه يجرى لأول مرة في لبنان.. أول نموذج دولي للأمم المتحدة تحتضنه بيروت.
في أذني تردد فيروز: "بحبك يا لبنان.. يا وطني بحبك.. بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك"، وأنا أتصفح الصحف اللبنانية لأفهم شيئاً عن هذا البلد الذي تلعب فيه السياسة دورا خطيرا جدا..
انظر معي إلى العبارة التي يضعونها إلى جوار شعار جريدة النهار في صدر صفحتها الأولى.. "نقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين أن نبقى موحدين إلى أبد الآبدين دفاعاً عن لبنان العظيم".. حينما تقرأ هذه العبارة التي ترى عشرات مما يشبهها في كل شوارع بيروت والمدن اللبنانية تدرك مدى إصرار اللبنانيين على الوحدة.. من ذاق أهوال سنوات الحرب الأهلية الطويلة وفهم ما الذي تجلبه الفرقة والخلافات العرقية يفهم الآن مدى احتياج هذا الشعب للاستقرار.. للأمان.. للوحدة أخيرا!
لكن الأمر للأسف ليس بهذه السهولة.. المانشيت الرئيسي للجريدة نفسها ينقل تصريحات رئيس الجمهورية ميشال سليمان: أن الحكومة الجديدة ستكون حكومة وحدة وطنية وميثاقية وإن تأخر الأمر لبعض الوقت، والسبب -كما يؤكد- أنها المرة الأولى التي يؤلف فيها لبنان حكومته دون ضغوط دولية أو ضغوط خارجية.. خبر آخر يعكس رغبة سوريا في استعادة علاقاتها القوية مع لبنان بعد التوتر العميق الذي خالطها منذ اغتيال رفيق الحريري.. وليد المعلم وزير الخارجية السوري يؤكد أن أبواب دمشق مفتوحة للحريري!
"استفزاز لا يحتمل لمصر العروبة".. يشد انتباهي مقال شديد اللهجة يهاجم "مصر العروبة" للكاتب كلوفيس مقصود.. الرجل قد استفزه بشدة ما حدث في تل أبيب حينما احتفل بنيامين نتنياهو وشيمون بيريس مع السفير المصري وقطعوا التورتة معه احتفالا بذكرى ثورة يوليو 1952.. الكاتب منفعل بشدة ومعه كل الحق.. ثورة جمال عبد الناصر يحتفل بها المصريون مع الإسرائيليين في مقر السفارة المصرية في تل أبيب.. ويترحم الرجل على مصر الجمهورية العربية المتحدة.. ده كان زمان!
لم تمر أكثر من ساعة وربع حتى تعالى صوت الطيار يبشرنا بقرب الهبوط على تراب بيروت الجميلة.. تخترق الطائرة السحاب وفيروز ما زالت تردد "سألوني شو صاير ببلد العيد.. مزروعة ع الداير نار وبواريد.. قلت لهم بلادنا عم يخلق جديد.. لبنان الكرامة والشعب العنيد.."؛ بينما المَشاهد الأولى لبيروت تبدو من نافذة الطائرة.. بيروت كجزيرة مترامية الأطراف.. المباني العالية التي تظهر هنا وهناك، والشاطئ يحتضنها بقوة.. يخفق قلبي بينما الطائرة تتجاوز شمال بيروت بسرعة لنقبل على الضاحية الجنوبية ببيوتها الصغيرة.. تمر في ذهني بسرعة لقطات القصف الإسرائيلي لمباني الضاحية والمطار منذ ثلاثة أعوام التي كنا نراها في بث مباشر على شاشات الفضائيات..
"كيف ما كنت بحبك.. بجنونك بحبك.. وإذا إحنا اتفرقنا بيجمعنا حبك"
وأخيراً تستقر الطائرة على أرض مطار سعد الحريري الدولي.. أفك حزام مقعدي وأنهض حاملاً جواز سفري متشوقا لختام الوصول إلى الأراضي اللبنانية."وحبة من ترابك.. بكنوز الدني.. بحبك يا لبنان.. يا وطني..."
بابتسامة عذبة استقبلتني ضابطة الجوازات في مطار الحريري.. ألقت نظرة سريعة على جواز سفري، وسألتني بضعة أسئلة.. تأشيرة دخولي كنت قد أخذتها من السفارة اللبنانية بالقاهرة كما تحتم القواعد رغم أن لبنان تمنح تأشيرة دخولها لكثير من جنسيات العالم في مطارها بما فيها تأشيرة دخول مدتها ثلاثة أشهر لمواطني الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي.. تنظر الضابطة لعبارة "غير مصرح له بالعمل في لبنان" -المكتوبة بالعربية والفرنسية على تأشيرة دخولي- وتسألني عن سبب قدومي إلى لبنان.. ثم تتمنى لي إقامة سعيدة!
توقعت أن أمرّ على سلطات للحجر الصحي أو أن أمر حتى على مقياس لدرجة الحرارة أو أي شيء من هذه الأشياء التي يفعلونها في مصر الآن في وقت يجتاح فيها أنفلونزا الخنازير العالم؛ لكنني وجدت نفسي أخرج من سلطات المطار دون أن يبدي أي أحد اهتمامه بخطورتي؛ إذ كنت أهرب الفيروس في دمي.
في المطار كان في انتظاري شاب وفتاة من منظمي المؤتمر.. تبادلنا عبارات التحية المصرية واللبنانية "إزيك.. كيفك" وانهكمنا في حديث تعارف سريع.. ثم غادرنا جميعا المطار لتبدأ رحلتنا في شوارع بيروت إلى الفندق في منطقة الحمراء.
هذه هي بيروت.. هي محافظة من محافظات لبنان ببقاعها الست، لبنان الشمالي، لبنان الجنوبي، جبل لبنان، والنبطية.. مدينة صغيرة ظلت تشغل العالم وتملأ وسائل إعلامه أخبارا وصراعات طائفية ومشاكل سياسية وحروباً وانتخابات.. عدد سكانها يبلغ حوالي اثنين مليون، يتنوعون بين تسع طوائف دينية رسمية، كما لا يحدث في أي مدينة عربية أخرى.. سنة وشيعة، وموارنة وروم أرثوذوكس وروم كاثوليك، وأرمن كاثوليك وأرمن أرثوذكس، وبروستانت.. كل هؤلاء في مدينة واحدة؛ بينما يختلف تواجدهم في باقي أنحاء لبنان حسب المدينة.. لا يزال في بيروت عدد من اليهود هم بقايا أعداد كبيرة منهم كانت تقطن حي وادي أبو جميل في وسط بيروت.
أربعة ملايين نسمة فحسب هم تعداد سكان لبنان كلها؛ لكن هؤلاء الملايين يقدمون تنوعاً فريداً من الصعب أن تجده في دولة أخرى بمثل هذا الحجم.. الدين هو اللاعب رقم واحد في مباريات الانتخابات اللبنانية منذ انتهاء الحرب الأهلية، وكما حددها اتفاق الطائف في سبتمبر 1989، والذي ألغى ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية؛ لكنه وزع المناصب الهامة ومقاعد البرلمان على الطوائف نفسها.
الفتى اللبناني يحدثنا بحماس عن بيروت.. تنساب بنا السيارة بسلاسة من الشارع إلى النفق إلى الكوبري العلوي.. يشير لنا الفتى نحو مبنى الأمم المتحدة، ونمر على فندق الهوليدي الشهير ليخبرنا الفتى بقصته.. بقي الفندق على حاله منذ طالته الحرب الأهلية ودمرته كما دمرت كل معالم بيروت، وبينما طال العمران كل شبر من بيروت؛ وحده هذا الفندق بقى على أنقاضه في قلب العاصمة اللبنانية ليبقى شاهدا للبنانيين أنفسهم قبل غيرهم على آثار الحرب العميقة يذكرهم كلما مروا من هنا على معاناة شعبهم الطويلة يوم أن انشغلوا عن وطنهم بعقائدهم وأديانهم.. جاءت سوليدير الشركة العملاقة وعمرت بيروت، وأعادت بناء ما خربته الحرب؛ لكنها توقفت هنا عند الفندق الشهير وتركته كي يذكر الناسين ويخبر القادمين إلى بيروت بالوجه المظلم من تاريخها.
في كواليس المؤتمر اتخذت اللجنة المنظمة قراراً غير عادي..إسرائيل لن تكون ممثلة باسمها خلال جلسات المؤتمر.. ستستبدل إسرائيل باسم "فلسطين المحتلة".. نعم، نحن هنا في نموذج للأمم المتحدة لابد أن تماثل مجالسه المجالس الحقيقية للأمم المتحدة ذاتها.. لكن الأمر في لبنان يختلف كما يختلف أي شيء آخر.. إذا اختلف اللبنانيون على أشياء كثيرة ذات يوم، فلابد أن يجمعهم اليوم كراهية إسرائيل.. وهكذا جاء القرار الذي نتفهمه نحن العرب ويثير دهشة المشاركين الأجانب.. "إسرائيل" لن يظهر اسمها أبدا في المؤتمر.. وهكذا رأينا في بعض المجالس دولتين مختلفتين إحداهما اسمها "فلسطين" والأخرى "فلسطين المحتلة"، أما الأولى فتمثل السلطة الفلسطينية والأخرى إسرائيل..
كنت مشاركا ضمن فريق من عشرة صحفيين يغطون أحداث المؤتمر.. كنت العربي الوحيد بين مجموعة من مختلف دول أوروبا.. وبما أننا في لبنان فقد كانت هنالك الكثير من التساؤلات التي يطرحها الزملاء الأجانب عن العالم العربي وتاريخ العرب.. وبطبيعة الحال كانت كثير من الأسئلة موجهة للعربي الوحيد المتواجد معهم.. أنا!
حينما تجمعنا المائدة في إحدى ملاهي بيروت الليلة يأتي النادل يصب لهم الخمر، وعندما يصل لي أعتذر له مبتسما، وأطلب منه "حاجة ساقعة".. ينظر لي للحظة مندهشا قبل أن يتبين ملامحي العربية وينصرف.. هنا أتوقع أسئلتهم وأجدها.. لماذا لا تشرب معنا؟..
الدبكة هنا تمثل سحراً فريداً يأسر عقول الأجانب.. تصدح الموسيقى الصاخبة فيمتزج العرب بالأجانب، واللبنانيون يقودون الرقصة الشعبية المحببة.. تتغير الأغاني والرقص يتواصل.. حتى الأغاني الوطنية تشعل حماس اللبنانيين فيغنون ويرقصون عليها..
عندما تسمعهم يشكون زحام بيروت.. هواء بيروت "الملوث".. الاستهتار بقواعد المرور.. تجد نفسك تكتم ضحكة ساخرة وتعلق بهدوء: "أنتم لم تروا شيئا بعد.. أيها السادة أنا قادم من القاهرة".. وأنا الذي كنت مستمتعاً جدا من انسياب المرور ونقاء الهواء وأردد: يا سلام على جمالك يا ست الدنيا!
عندما نمر عند ميدان الزعيم جمال عبد الناصر بتمثاله المنتصب الناطق باسم حلم العروبة، أجد نفسي ألتفت إلى مجاوري في مقعد الحافلة وأشير للتمثال هاتفا: "انظر.. هذا ناصر.. الزعيم المصري".. والكل هنا يعرف "ناصر" أشهر زعماء العرب.. من ذا الذي يدرس تاريخ العرب ولا يعرف ناصر؟


يقترب مني صديقي السويسري ويتحدث معي.. العالم العربي فيه ما نفتقر إليه نحن في أوروبا.. هكذا قال لي وواصل بمنتهى الجدية: تتحدثون نفس اللغة.. أغلبكم يدين بنفس الديانة.. تشاهدون نفس القنوات الفضائية، ويخاطبكم إعلام واحد في أعظمه.. ألا تشاهدون جميعكم الجزيرة؟.. لماذا إذن تقسمكم كل هذه الحواجز والحدود والاختلافات الكثيرة؟..
ذكريات الحرب الأهلية "تابوه" يتجنب اللبنانيون الحديث عنها مع الغرباء.. أتعرف على كثير من اللبنانيين وأخشى أن أسأل السؤال الصعب.. هل أنت مسلم أم مسيحي؟.. سني أم شيعي؟.. ماروني أم كاثوليكي؟.. هذه أسئلة لا تطرحها إلا عندما تتوثق علاقتك بصديقك.. كان أحد الأصدقاء اللبنانيين الشيعة يشرب الخمر بحماس غير عادي، ويبدو غير متدينا بالمرة؛ لكن عندما فتحنا معه حديثا عن المذهب الشيعي كان يعرف الكثير.. ظل يسألني عما أعتقده كسني عن الشيعة، ثم راح يشرح الاختلافات الجوهرية بين المذهبين.. هنا في بيروت توجد مساجد للسنة وأخرى للشيعة، باعتبار أن المدينة قد قسمتها الحرب أصلا بين بيروت الشرقية ذات الأغلبية المسيحية والغربية ذات الأغلبية المسلمة السنية؛ بينما تقطن الضاحية الجنوبية أغلبية شيعية.. لكن هذا لا يمنع أن يصلي المسلمون جميعا معا لاسيما أنهم يتجمعون كلهم سنة وشيعة في بعض المناسبات مثل صلوات الجنازة!

My first feature story in Egypt Today

Link to my first published news story in Egypt Today magazine:

http://www.egypttoday.com/article.aspx?ArticleID=8608