Monday, September 12, 2011

اليوم على الجزيرة : تحت المجهر (تحت السحابة السوداء)

يعرض اليوم على الجزيرة فيلم "تحت السحابة السوداء" ضمن برنامج "تحت المجهر" - الرابعة عصرا بتوقيت القاهرة - من إعداد علاء مصباح وإخراج هانى فريد وجهاد الحداد

Tuesday, July 26, 2011

اليوم السابع : كتاب عن رحلة 21يومًا من بيروت إلى وادى رم

صدر عن دار نهضة مصر للنشر، ضمن سلسلة كتب للشباب، كتاب جديد بعنوان "من بيروت إلى وادى رم" للكاتب علاء مصباح، وهو كتاب يتضمن حكايات 21 يومًا عبر بلاد الشام، ويقع فى 125 صفحة من القطع الصغير.

ويقول المؤلف فى مقدمة كتابه: واحد وعشرون يومًا خلال صيف 2009 قضيتها فى رحلة طويلة مرهقة، لكنها بالطبع شديدة الإمتاع، من بيروت إلى القاهرة برًّا؛ الرحلة التى لم أرتب لها بدأت فى العاصمة اللبنانية بيروت، المدينة التى لا يمكنك أن تزورها دون أن تنبهر بجمالها وأناقتها ونظامها، ولا يمكنك أن تتخيل أنها قد شهدت حربًا شعواء منذ ثلاث سنوات فحسب، وأنها كانت منذ عشرين عامًا فحسب رمادًا وأنقاضًا بعد خمسة عشر عامًا من الحرب الأهلية.


ويضيف: فى بيروت كنت ضمن أكثر من مائة شاب من مختلف دول العالم يقيمون أول نموذج دولى للأمم المتحدة فى لبنان، وكنت رتبت أن ينتهى المؤتمر فأعود أدراجى إلى القاهرة، لكن خططى تغيرت تمامًا عندما قابلت كريس..كان كريس سويسريًا مغرمًا بالحضارة العربية والإسلامية، بهرنى عندما حدثنى عن رحلته الطويلة التى بدأها قبل شهر فى اسطنبول ثم إلى سوريا والأردن وأخيرًا مصر، داعبت أحلامه خيالى، ووجدت نفسى ألمح له إذا كان بإمكانى أن أنضم إليه فى رحلته، فرحب بى بحماس شديد، وهكذا وجدت نفسى أنضم إليه وإلى صديقه "هنرى" لنبدأ معًا رحلتنا عبر بلاد الشام.


ويتابع: أعترف أننى تعلمت كثيرًا خلال الأيام العشرين التى قضيناها مرتحلين عبر هذه البلاد، فى البداية كنت أشعر بالمسئولية الثقيلة، ووجدت نفسى العربى الوحيد بين جماعة من الأجانب، لا أفهم لغتهم ولا يفهمون لغتى، وبدأت أشعر بالغربة بينهم، ونحن نتنقل من بيروت إلى شمال لبنان، ثم نعود أدراجنا لنعبر الحدود إلى دمشق، ثم نختلف مع عامل الفندق فى دمشق؛ لأنه لا يريدنى أن أقيم معهما فى غرفة واحدة لأن ذلك ممنوع، ووجدت نفسى مسئولاً عن – كما تحتم على هويتى كعربى – حمايتها من الغش الذى يتعرضان له باستمرار من جانب السوريين لأنهما سائحان، وأن أتولى كل مهام التعامل مع المحليين من سائقى التاكسى حتى الباعة الجائلين.


لكن مع الوقت زاد استمتاعى بمهمتى غير المألوفة، فصرت اعتبر نفسى سفيرًا عن جنسى ودينى أمام اثنين من الأجانب، مطالبًا بصفة دائمة أن أقدم لهما الصورة المشرفة من حضارتنا، نزور معاً المسجد الأموى الكبير ونمضى إلى قبر سيدنا يحيى - عليه السلام – ثم قبر صلاح الدين الأيوبى، ونقف أمام مقام سيدنا الحسين، الذى يقول السوريون إن رأس الحسين بن على قد دفن فيه.


وفى صلاة الجمعة أصر "هنرى" أن يأتى معى ويؤدى الصلاة وسط عشرات الآلاف من المصلين فى مشهد أثار دهشته وانبهاره، وفى الصحراء الأردنية أتعامل مع البدو وأفاصل معهم فى أسعارهم وأحاول أن أجد تخفيضًا لنا وهم مشتتون لا يعرفون هل يعاملوننا معاملة الأجانب أم معاملة العرب؛ لأننى هناك.


ويقول مصباح: إن أجمل ما فى الرحلة هو محاولتنا الدائمة لأن نستوعب الاختلاف بين الدول الثلاث التى زرناها، ساعتان فحسب نقلتنا من بيروت إلى دمشق، كانت كأننا انتقلنا بين عالمين مختلفين تمام الاختلاف، ساعتان أخريان نقلتنا من دمشق إلى عمان، فدخلنا عالماً ثالثًا.. أبسط مثال على ذلك العلم اللبنانى الذى كنا نراه فى كل مكان فى لبنان، صورة حافظ الأسد المعلقة فى كل مرمى وعلى كل مبنى وفى مقدمة كل متجرٍ فى سوريا، الشوارع والمساجد والنوادى التى تحمل أغلبها أسماء العائلة الملكية فى الأردن.


انتهت رحلتنا الطويلة فى القاهرة، اصطحبت صديقىَّ السويسريين إلى رحلة لن ينسياها إلى مسقط رأسى فى الدقهلية، ثم عدنا إلى القاهرة نجوب شوارع الحسين وخان الخليلى وقضينا آخر ليالينا فى ساقية الصاوى على ضفاف النيل، قبل أن أودعهما وهما فى غاية الحزن والأسف، لأن جولتهما فى الشرق الأوسط قد انتهت

Tuesday, April 26, 2011

Sunday, March 27, 2011

AUC Times : شهادات من ميدان التحرير

هذه المشاهد لا يمكن أن أنساها ما حييت..التاريخ قد سجلها والعالم أجمع قد تابعها وكان من حسن حظى أن أشاهدها عن قرب وأن أشارك فيها..

الثلاثاء 25 يناير :
الثانية ظهرا – ميدان مصطفى محمود:
لا أحد..صف من سيارات الأمن المركزى..عشرات من المجندين والضباط ولا أحد من المتظاهرين..الصدمة الأولى أتجاوزها وأتصل بأحد أصدقائي الذى أتفق معي أن نتقابل فى مكان التجمع –هنا كما هو مفترض- وننضم للتظاهرة المخطط لها..أخبره أن "محدش جه"..هنا ألتفت لقلب الميدان لأرى عشرات من الشبان قد تجمعوا وبدؤوا الهتاف..
الخوف ينتابني أن أنضم إليهم فيتم القبض علينا جميعا..أراقبهم بحذر..أسير إليهم ببطء..تتعالى هتافاتهم..تكبر المسيرة..تسير فى شارع جامعة الدول العربية..أرى فتيات فينتابنى الخجل وأدخل وسط المظاهرة..تعلو أصواتنا..يطل الأهالي من شرفات منازلهم..ترتفع أيدينا إليهم هاتفين "انزل..انزل"..يحدد لنا الأمن مسارنا ويجبرنا على الدخول فى شارع البطل أحمد عبد العزيز..
تكبر المسيرة..يحاصرها الأمن من الخلف..لا بأس..نحن مستمرون..
الرابعة ظهرا – ميدان التحرير:
المشهد لا يصدق..ألوف مؤلفة من الشباب..الميدان تحت السيطرة..صحيح أن هناك عشرات من سيارات الأمن المركزي وآلاف من الجنود وأننا تحت الحصار، لكن الحلم قد صار حقيقة..هناك ألاف من الشباب فى الشارع..يتظاهرون..يصرخون مطالبون بحقوقهم..وأننا مسالمون..مسالمون..
فصل الغباء يبدأ برش المتظاهرين بالمياة..رشاشات المياة تفتح علينا..يركض البعض ويقف البعض بينما تبادر قلة مننا بمهاجمة المعتدين..قلنا "سلمية"، لماذا ترشونا بالمياة؟..تركض المدرعة هنا وهناك بين ألاف المتظاهرين محاولة تفرقيهم..يلتف حولها المتظاهرون..
دقائق وأرى أول قنبلة دخان تسقط على مقربة منى..أركض بسرعة مبتعدا..لم أكن يومها أعرف ما هو الغاز المسيل للدموع بالضبط وما يفعله..أبتعد..أعود من جديد..ينفعل البعض ويبدأ بإلقاء الحجارة على الأمن، فيرد الأمن بالحجارة والقنابل المسيلة للدموع..نهتف "سلمية..سلمية..سلمية" ونحاول إقناع المنفعلين بالكف عن إلقاء الحجارة..
الآلاف يتدفقون على الميدان..سيارات الإسعاف تقف في الخلف تعالج الذين يصابون بالحجارة..المشهد غريب..حجارة تلقى يمينا ويسارا..دخان..جرحى يسقطون يحملهم من حولهم ويركضون بهم نحو سيارات الإسعاف..البعض يرفض الذهاب للإسعاف خوفا من الاعتقال ويفضلون أن يداوا أنفسهم فى جانب من الميدان..
الآن..الآن فقط..أدركت أن شيئا ما يحدث فى مصر..لن يمر 25 يناير كأي يوم أخر..

الجمعة 28 يناير:
الواحدة ظهرا –ميدان الجيزة:
على بعد أمتار من مسجد الاستقامة أقف مع صديق مصري وأخر فرنسي نراقب رشاشات المياة تغرق الجموع أمام المسجد..نسمع أن البرادعى هناك..يقف مع الواقفين أمام رشاشات المياة..هتافات تتعالى..أحاول التصوير فيهددني بلطيجة الشرطة..ثم تتوالى القنابل المسيلة للدموع في كل صوب..
هذه المرة جربت الغاز الخانق على مهل..للأسف لم أستمع للنصائح أن أحمل بصلا أو خلا...أستعمل منديلا لأمسح دموع عيني وأركض مبتعدا عن سحابة الدخان محاولا البحث عن هواء نقى.
الثالثة ظهرا – شارع طلعت حرب:
هنا تدور الملحمة الأكثر روعة..
حرب شوارع بين مدرعات وسيارات أمن مركزي ومجندي الأمن من جانب وشباب مصر ورجالها من جانب أخر..تتناثر قنابل الدخان والغاز هنا وهناك..من شرفات المنازل تلقى إلينا زجاجات المياة والخل..من المنازل تنزل لنا الفتيات وربات البيوت بالمناديل وزجاجات الخل والبيبسى وقطع البصل لتعالج من يوقفه الغاز..
ويتكرر السيناريو..قنبلة دخان تلقى..عشرات يركضون وعشرات يقفون محاولون ضرب من ألقاها بالحجارة..تنتشر سحابة الدخان ويتعالى السعال وتتساقط الدموع..تخرج أيادى نسائية محملة بالبصل و المناديل المبللة بالخل إلى أنوف المتضررين..ينفعل الشباب ويركضون للحجارة ليقذفوا بها المدرعات التي تأتينا من حين لآخر لترمينا بقنابل الغاز.
الخامسة عصرا- مكتب الجزيرة –ميدان عبد المنعم رياض:
مع بعض من لجئوا للمكتب للهروب من قنابل الدخان والغاز أقف..نتابع تطورات الأحداث على الشاشة..أخبار تتوالى عن إطلاق رصاص حي على المتظاهرين..تشكيل أمنى في الإسكندرية يرفض إطلاق النار..من نافذة المكتب يحاول المراسلون تمييز الرصاص المطاطي من الحي..فجأة تظهر سيارة تابعة للشرطة العسكرية..ينتقل الخبر للجزيرة أن "عناصر من الجيش بدأت الظهور في الشارع"..من الإسكندرية مصادر تؤكد انسحاب الشرطة تماما..
ينزل الخبر المهيب على الشاشة:"الحاكم العسكري يعلن نزول الجيش وفرض حظر التجوال".......
السابعة مساء – ميدان التحرير:
المعركة لا تزال مستمرة..
كنت قد فقدت نظارتي ولا أستطيع تمييز المشهد بدقة..الجو ممتلأ تماما بالدخان..رصاص يدوى من حين لآخر..ألوف مؤلفة من الشبان فى الميدان..أختنق من جديد فيناولني أحدهم منديلا بالخل..أركض لإحدى العمارات الجانبية لأستنشق بعض الهواء في مدخلها..نسمع نداء مسجد قريب يعلن عن وجود عشرات الجرحى فيه ويطلب مساعدة الأطباء..أركض للمسجد وأدخله لأفاجأ بالعشرات يفترشون أرضه بين جرحى وفاقدي الوعى..فيما بعد سيسمون هذا المسجد الصغير المتواضع "المستشفى الميداني" وستصل شهرته العالم أجمع.
لا إسعاف..الذي يصاب هنا يموت ما لم ينقذه الأهالي..يركض الناس هنا وهناك باحثين عن سيارات لنقل الجرحى للقصر العيني..نلمح سيارة قادمة من بعيد فنركض نحوها..
أسير من التحرير إلى الإسعاف..أدخل نقابة الصحفيين لأعرف أخر الأخبار..على شاشة العربية أشاهد المخرج خالد يوسف يطالب الجيش بحماية المتحف المصري..أعود لشارع رمسيس..سيارة أمن مركزي تحترق يقذفها المتظاهرون بالحجارة..أسمع حكايات لا تحصى ولا تعد عن اليوم الدامي..عند ميدان عبد المنعم رياض يتجمع بعض الشبان للذهاب لحماية المتحف المصري..
تظهر طلائع سيارات "الجيش"..يكتشف المتظاهرون أنها "شرطة عسكرية"..يدب خلافا ويسيطر المتظاهرون على السيارة..يقولون أنها من سيارات الحرس الجمهوري جاءت بالذخيرة لقوات الشرطة..على كوبري أكتوبر يمضى صبيا يقود سيارة شرطة استولى عليها...حتى نرى لأول مرة الدبابات نازلة من كوبرى أكتوبر...
"الجيش نزل".."الجيش نزل"..الهمسات تتنتقل بحذر..بخوف..بقلق.
الواحدة والنصف صباحا – كوبرى 15 مايو:
لا وسيلة للعودة لمنزلي في الدقى سوى المشي..أسير من الزمالك بعد الاستماع لخطاب مبارك وقراره "العظيم" بإقالة الحكومة..شوارع الزمالك كانت كالمدافن..صمت تام..لا أحد على الإطلاق في الشارع..لا أمن أمام السفارات..هدوء قاتل..
فوق الكوبري أرى سيارات الأمن المركزي واقفة وحولها الجنود..يسألونني عما يدور فى البلد..يقولون لى أن الضباط تركوهم وهربوا..لا توجد أى أوامر ولا يعرفون ماذا يفعلون..أبشرهم بأن "وزيرهم طار"..لا يبالون كثيرا ويبدو أنهم يستعدون لقضاء ليلة باردة داخل عربتهم فى ظل توقف الاتصالات وهروب الضباط وانقطاع صلتهم بالقيادة!
هم باقون على الكوبري حتى تصل الأوامر..
يبدو أن أوامر الانسحاب التام لم تصل هنا بعد..

السبت 29 يناير – وسط البلد:
العاشرة صباحا
فوق كوبري قصر النيل أرى الدخان لا يزال متصاعدا من مقر الحزب الوطني..رائحة الدخان والغاز لا تزال في الهواء..الكل يسير مرتديا كمامة أو واضعا منديلا على أنفه..أدخل مقر الحزب وأتأمل الدمار الشامل الذي لحق بالمبنى..العشرات يتوافدون لالتقاط الصور.
عند تمثال الشهيد عبد المنعم رياض مظاهرة تهتف "اللى يحب مصر..مايولعش فى مصر"..الدبابات تجوب الشوارع، والشباب يستوقفونها ليكتبون "يسقط مبارك" على كل جوانبها..عند إحدى الدبابات يقف الضابط مع مجموعة من الشباب..يسألونه: "هتضربونا؟" فيرد الضابط:"والله احنا هنا علشانكم".
السادسة مساء
عشرات الآلاف الآن فى ميدان التحرير..الدبابات فى مداخل الميدان..البعض يحذر من الاقتراب من نطاق وزارة الداخلية..هناك قناصة يطلقون النار على المارة..من حين لآخر نرى جريحا أو شهيدا يحمله مجموعة من الشبان ويركضون به نحو المسجد "المستشفى الميداني"..
من حين لآخر تدوي طلقات رصاص..هناك عصابات تجوب الشوارع..الأهالي يبدؤون تشكيل لجانهم الشعبية..القهاوى ممتلئة بالناس يتابعون تطورات الأحدث على التليفزيون..لا نريد عمر سليمان ولا غيره..الريس لازم يمشى..
منتصف الليل:
أولى ليالي الاعتصام الطويل..جنود الجيش يتحدثون مع الشباب في ود كامل يزيد من طمأنة الشباب..ألاف يفترشون حدائق الميدان استعدادا للنوم..الميدان صار ملكا لنا..لن نتركه حتى يرحل مبارك وعصابته..دون اتفاق مسبق أجمع الكل على هذا المطلب.
في شوارع وسط البلد يقف أصحاب المحلات لحماية محلاتهم بالعصيان والسيوف..لجان شعبية تنتشر هنا وهناك للحماية وتفتيش المارة..إبراز البطاقة الشخصية والتفتيش واجب حتمي
.
الأربعاء – 2 فبراير:
الثانية ظهرا – ميدان مصطفى محمود:
أسير فى شارع جامعة الدول متجها لسفارة قطر، أتوقف مغتاظا أراقب الآلاف المتجمعين يهتفون لمبارك، حاملين لافتات "إحنا آسفين يا ريس" و"أبكانا خطابك"..كنت مذهولا من لافتات "نعم لمبارك" التى تحملها كثير من السيارات التى قابلتها..ينتابني شعور قوى بالإحباط، وأن مجهود الأسبوع الماضى كله قد يضيع هدرا بسبب أن المصريين شعب طيب وعاطفي ويصدق مبارك عندما يقول "ولدت هنا وعايز أموت هنا"..تدب مشاجرة على خلفية المشهد بين اثنان أحدهما يحاول أن يعترض على بقاء مبارك.
الثالثة ظهرا – الدقى:
أمام شاشة التليفزيون فى البيت أجلس أشاهد ميدان التحرير في بث مباشر متنقلا بين مختلف القنوات الإخبارية العربية والعالمية..المصريون يرشقون بعضهم بالحجارة؟..هل هذا ما سيقوله مشاهدوا البى بى سى والسى إن إن وهم يرون هذا المشهد الهمجي فى بث مباشر بعد أن مدحنا العالم كله بعد مليونية الأمس؟
تعيد القنوات مشاهد الجمال والخيول..تعود لمشاهد مباشرة للحجارة التي يتبادلها الطرفان..التليفزيون المصري لا يعرف عن مصر سوى ميدان مصطفى محمود و"مئات الآلاف الذين يتدفقون لميدان التحرير تأييدا لمبارك" بالإضافة طبعا لمشهد كوبري أكتوبر الخالد!
لازم أنزل التحرير..
السادسة مساء – وسط البلد:
من الصعب الوصول لميدان التحرير..اللجان الشعبية تمنعني تماما، ومؤيدو مبارك يتجمعون عند ميدان طلعت حرب يرشقون متظاهرى التحرير بالحجارة..أنتبه هنا أن كثير منهم ليسوا من البلطجية، منهم أهالي المنطقة وقد خدعهم التليفزيون المصري وأكاذيبه..أستمع للأحاديث الجانبية: دول بتوع التحرير كلهم إخوان..فيه أجانب كتير جوه..بيقبضوا باليورو يا معلم..دول "معاهم نووى وقنابل وكل حاجة".."كنتاكى وخمسين دولار ومية معدنية، أمال هما مش عايزين يمشوا ليه؟"
الإحباط، الإحباط..أهرب من طوفان الطوب الذي يتبادله الطرفان لمقهى صغير ،هو المقهى الوحيد الذي يصر على بث الجزيرة..الشيخ يوسف القرضاوى فى بث مباشر يحث المصريين على النزول للتحرير لدعم أخوانهم الذين يواجهون الموت..
أتفق مع شاب متحمس على الوصول لقلب التحرير بأي وسيلة ممكنة..يقول لي أن "صديقاته البنات هناك"..يقول لي:"أنا مره..أنا أزاى أسيبهم وأمشى؟"..عندما عدنا لميدان طلعت حرب كان "بتوع التحرير" قد استعادوا سيطرتهم عليه وطردوا "بتوع مبارك" –وكأنها حرب أهلية..يتم تفتيشنا خمسة مرات على الأقل قبل أن نعبر ميدان التحرير من مدخل طلعت حرب..
برغم الحجارة والمولوتوف المنهمر من جهة عبد المنعم رياض، كنت أشعر بالأمان التام..أنا في وسط الأبطال..أبطال ميدان التحرير.
العاشرة مساء – ميدان التحرير:
تمت السيطرة على المتحف المصري..تراجع المعتدون إلى ميدان عبد المنعم رياض..الحجارة لا تزال هي وسيلة الحوار، يختبأ "بتوع التحرير" خلف الحواجز وسيارات الجيش التي أخذوها ووضعوها أمامهم..أبطال الصفوف الأمامية في مواجهة حية مع الموت متمثلا فى الحجارة والمولوتوف..فى الصفوف الخلفية يعكف الآلاف على تكسير الحجارة من أرصفة الميدان ونقلها إلى الصفوف الأمامية..تنتشر العيادات الطبية في عدة أماكن بالميدان..عشرات آخرون يقرعون أسوار الميدان محدثين صوتا كطبول الحرب..وهى حرب حقيقية فعلا!
السؤال الدائم والأبدي: ماذا يفعل الجيش؟
الواضح أن الدبابات قد تراجعت لتحاصر المتحف المصري، وتقف خلف "بتوع التحرير"..الواضح أن "بتوع التحرير" يحمون الجيش وليس العكس..الواضح أن مهمة الجيش قد صارت واضحة وصريحة:"حماية المتحف المصري"!
يتصل بى أحد أصدقائى متسائلا:"هو صحيح المتحف اتحرق؟"..أنفعل..يخبرني أن التليفزيون المصري أخيرا وجه كاميرته نحو ميدان التحرير ليؤكد أن "عناصر إخوانية تلقى بكرات النار على المتظاهرين" وأن إحدى هذه الكرات أصابت المتحف..أطمئنه على المتحف وأؤكد له أن المتحف فى أمان!
يسقط الجرحى بالعشرات والمئات..عند "المستشفى الميداني" الرئيسي فى المسجد إياه يمكنك أن تجد ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر من العيون المصفاة والرؤؤس المحطمة والأذرع المكسرة..تحيا مصر..يحيا شبابك يا مصر!

الجمعة 11 فبراير:
الدوحة – السابعة مساء
انته بيان عمر سليمان على شاشة الجزيرة، وأنا أقف مذهولا لا أستوعب أنه "أخيرا تنحى"..أقفز على اللاب توب وأكتب شيئا على الفيس بوك بالعربية، لتتوالى تعليقات أصدقاء أجانب لا يفهمون العربية لكنهم يهنئونني بانتصار الثورة.
أخرج مع صديق مصري إلى شوارع الدوحة..طريق السفارة المصرية القريبة منا مغلق..نتجه إلى الكورنيش حيث تنطلق عشرات السيارات حاملة الأعلام المصرية والقطرية..الكل يطلق الكلاكسات احتفالا بالتنحي..الشرطة تغلق الطرق واحدا بعد الآخر لتنظيم مرور الآلاف من المصريين الذين تدفقوا للشوارع احتفالا بالنصر.
على الكورنيش يتجمع بضعة ألاف من المصريين يغنون النشيد القومي ويرددون الشعارات.."مصر حرة..حسنى بره".."يا شهيد نام وارتاح..واحنا نكمل الكفاح"..
أقف أردد الهتافات معهم، متخيلا كيف يكون ميدان التحرير الآن..يا له من حظ نحس ذلك الذي جعلني أشارك الأيام القاسية من الثورة وأفقد لحظات الانتصار في مصر..
لكن المهم أن "الشعب أراد وأسقط النظام"..




علاء مصباح
AUC Times
 مارس 2011

المصرى اليوم : لأن الشعب يريد..وليس ميدان التحرير


سافرت يوم السبت الماضى خصيصا لمسقط رأسى فى مدينة دكرنس لأعطى صوتى هناك، كنت أرغب فى رؤيتى مكان بعيد عن القاهرة، كيف يقبل أهالى مدينتى البعيدة عن مركز الأحداث فى القاهرة أو ميدان التحرير على المشاركة السياسية، وكنت أتوقع أن أخوض جدالا كبيرا مع أصدقائى وأقاربى لأقنعهم أن يقولوا "لا"، فقد توقعت أن يقول الكل "نعم"!
لكننى اندهشت جدا أن أشاهد لافتات هنا وهناك تقول "نعم" ولافتات تقول "لا"، وإن كانت تربطها هذه اللافتات بأمور لا علاقة لها بنعم أو لا، مثلا على سبيل المثال "نعم من أجل حماية حدود مصر"، وهى حجة اختلفت عندما خضت نقاشا مع صديق من أيام المدرسة اكتشفت ليلتها فقط أنه "إخوان" ، حاول أن يقنعنى أن قولى "لا" سيفتح الباب لتهديد المادة الثانية من الدستور، وكأن معركتنا مع الدستورتقوم على هذه المادة (كده كده هيبقى فيه دستور جديد).
أدهشنى أيضا أننى بدأت نقاشا مع ابنا أختى التوأم، وعمرهما لا يتجاوز الخامسة عشرة، وكنت أظنهما سيقولان "نعم" بما أن الجو السائد هو "نعم"، فوجئت بالولد مصر على "لا"، والبنت مصرة على "نعم"، ولكل منهما حجته وأسبابه القوية..المثير هنا أننى لم يسبق لى أن أسمعهما يتحدثان فى السياسة، لكننى عندما تناولت العدد الأخير من مجلة أطفال شهيرة كانت بالبيت وجدت قصة مصورة عن الشهيد أحمد بسيونى تحكى قصة استشهاده فى ميدان التحرير..عندها فهمت.
خرجت للإدلاء بالـ "لا" المعهودة ،ذهبت لإحدى المدارس الإعدادية فوجدت طابورا طويلا ، اتجهت لمدرستى الابتدائية التى لم أزرها منذ زمن، كان الطابور أقصر..أسعدنى أن أرى سيدات مسنات وفلاحين بجلابيبهم..دخلنا اللجنة وقفت مع أربعة منهم ندلى بأصواتنا..كانت بطاقاتهم مكشوفة أمام عينى تماما، ورأيت أنهم جميعا قالوا "نعم"..كما توقعت.
جاءت النتيجة بما توقعت وقالت مصر "نعم"..على صفحة الفيس بوك وجدت ما لم يعجبنى من أصدقائى الذين غيروا معى صور بروفيلاتهم إلى "لا"، الأغلبية رضوا بالنتيجة، لكن قلة قليلة رفعت شعار "عيب الديمقراطية أنها تجبرك على الاستماع إلى الحمقى"، وهناك من قام بسب الإخوان والسلفيين علنا، بل هناك من شكك فى نتيجة الاستفتاء وكأننا لم نتوقع جميعا من قبل أن النتيجة "نعم".
أعتقد أن الكثيرين مثلى يؤمنون أن المثقفين وأعضاء الأحزاب السياسية ومناصروا البرادعى وعمرو موسى ليسوا هم من سيحركون أصوات الشارع فى المرحلة القادمة..لو كانت النخبة السياسية قد بدأت الثورة وحركتها وحمتها بالمشاركة مع الملايين من أبناء مصر، فليس بوسعهم أن يمتد تأثيرهم ليحركوا الشعب من أسوان إلى الإسكندرية، كنا فى ميدان التحرير نقول فى أول أيام الثورة "الشعب يريد" والحقيقة أن "ميدان التحرير" هو الذى أراد فى البداية قبل أن يمتد التأثير إلى "عشرة ملايين وربما أكثر من الشعب يريدون".
فى رأيى أننا لو أجرينا استفتاء على مبارك يوم 2 فبراير عقب خطابه العاطفى الشهير لفاز مبارك بأغلبية كاسحة ، لو أجرينا استفتاء على حكومة أحمد شفيق قبل رحيلها لفاز شفيق..الأغلبية الصامتة هى التى تحدد نتيجة الاستفتاءات وليس ميدان التحرير..والديمقراطية الان تحتم أن نسمع صوت الأغلبية مع ضمان التصدى للدعاية الدينية مستقبلا (وهو أمر عسير للغاية).
نتيجة الاسنتفتاء هى النتيجة التى "يريدها الشعب" بالأرقام والحقائق..وليس "ميدان التحرير" أو البرادعى أو عمرو موسى أو اتحاد شباب الثورة.

يوم السبت قلت "لا"..واليوم أقول "نعم" لصوت مصر.
أقرأ المقال هنا
المصرى اليوم
الخميس 24 مارس 2011