الانفجار 1967.. تفاصيل أسوأ ستة أيام في تاريخ العرب
"إن قصة 5 يونيو عام 1967 ليست قصة أيام ستة اندلع فيها القتال ثم ساد وقف إطلاق النار بعدها، وإنما القصة قبل ذلك بكثير وبعد ذلك بكثير؛ لأن وقائع التاريخ الكبرى لا تهبط على المواقع مثل قوات المظلات"..
بهذه الكلمات يبدأ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل كتابه الخطير جدا "الانفجار 1967"، الذي يحكي بالتفاصيل الدقيقة والوثائق والمخطوطات قصة عام 1967 الذي شهد تطورات خطيرة غيرت خريطة الشرق الأوسط تغيرا لم يشهد القرن العشرين مثله، ولاتزال آثارها جارية حتى يومنا هذا.
وكما يوضح هيكل في مقدمة كتابه، فإن أكثر ما ميز كتابه هو أن الكاتب نفسه كان شاهدا على هذه الأحداث باعتباره رئيس تحرير جريدة الأهرام أكبر الصحف القومية المصرية والصديق المقرب للرئيس جمال عبد الناصر، لذلك كان هيكل أفضل من يكتب عن تفاصيل هذه الحرب الخطيرة في هذا الكتاب الذي يقع في أكثر من ألف صفحة مدعمة بالوثائق، نشر أولا بالإنجليزية ثم عهد هيكل لمركز الأهرام بترجمته ونشره مراعيا الدقة في كل ما كتب وكل ما ذكر.
هذا إذن هو الجزء الثالث من سلسلة "حرب الثلاثين عاما" التي كتبها هيكل بعد "ملفات السويس" و"سنوات الغليان" ليؤرخ لحروب مصر مع إسرائيل، وهو لا يتوغل كثيرا في تفاصيل العمليات العسكرية؛ لأنه ممن يعتقدون أن مصائر المعارك تتقرر قبل أن تنطلق رصاصة واحدة في ميدان القتال، وبالتالي فإن الصراع السياسي الشامل وملابساته هو جوهر القصة في أي حرب، وليس جوهرها هو تصادم الدبابات وصراخ المدافع.
القاهرة - عمان - دمشق
بهذه الكلمات يبدأ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل كتابه الخطير جدا "الانفجار 1967"، الذي يحكي بالتفاصيل الدقيقة والوثائق والمخطوطات قصة عام 1967 الذي شهد تطورات خطيرة غيرت خريطة الشرق الأوسط تغيرا لم يشهد القرن العشرين مثله، ولاتزال آثارها جارية حتى يومنا هذا.
وكما يوضح هيكل في مقدمة كتابه، فإن أكثر ما ميز كتابه هو أن الكاتب نفسه كان شاهدا على هذه الأحداث باعتباره رئيس تحرير جريدة الأهرام أكبر الصحف القومية المصرية والصديق المقرب للرئيس جمال عبد الناصر، لذلك كان هيكل أفضل من يكتب عن تفاصيل هذه الحرب الخطيرة في هذا الكتاب الذي يقع في أكثر من ألف صفحة مدعمة بالوثائق، نشر أولا بالإنجليزية ثم عهد هيكل لمركز الأهرام بترجمته ونشره مراعيا الدقة في كل ما كتب وكل ما ذكر.
هذا إذن هو الجزء الثالث من سلسلة "حرب الثلاثين عاما" التي كتبها هيكل بعد "ملفات السويس" و"سنوات الغليان" ليؤرخ لحروب مصر مع إسرائيل، وهو لا يتوغل كثيرا في تفاصيل العمليات العسكرية؛ لأنه ممن يعتقدون أن مصائر المعارك تتقرر قبل أن تنطلق رصاصة واحدة في ميدان القتال، وبالتالي فإن الصراع السياسي الشامل وملابساته هو جوهر القصة في أي حرب، وليس جوهرها هو تصادم الدبابات وصراخ المدافع.
القاهرة - عمان - دمشق
في 12 مارس 1967 كانت الأزمة السياسية بين القاهرة وعمان على أشدها.. القاهرة تتهم عمان باشتراكها في عمليات تجنيد المرتزقة في حرب اليمن، ووقف وزير الخارجية المصري يعلن استعداد الجمهورية العربية المتحدة لأن تنفذ جميع مقررات مجلس الدفاع العربي المشترك، وأنها مستعدة؛ لأن تتدخل فورا للدفاع عن أي بلد عربي يتعرض لاعتداء إسرائيلي حتى لو كانت الأردن.
في أبريل كان التوتر على الحدود الإسرائيلية السورية في شدته.. رئيس الوزراء الإسرائيلي يعلن أمام الكنيست أن إسرائيل قررت أن ترد بالطريقة التي تراها مناسبة على سوريا وأن الطريق إلى دمشق مفتوح، ويعلن أن إسرائيل تعلم جيدا أن سوريا تقف وراء أعمال التخريب التي يقوم بها الفدائيون الفلسطينيون داخل إسرائيل، فترد سوريا ببيان شديد تؤكد نيتها في إشعال الموقف إذا قامت إسرائيل بأي هجمات ضدها، وأكد البيان أن الولايات المتحدة قد حولت إسرائيل إلى مجرم محترف.
الموقف يشتعل على الحدود السوريةفي منتصف مايو 67 كان الموقف واضحا في القاهرة.. الاتحاد السوفيتي أبلغ عبد الناصر بالحشود الإسرائيلية الضخمة أمام الحدود السورية، وكان تحليل عبد الناصر للموقف كالآتي.. التهديدات الإسرائيلية حقيقية، حتى ولو كانت كما يردد البعض مجرد حرب نفسية، فإنها من الممكن أن تؤثر على الجبهة الداخلية السورية.. إذا سقط النظام في سوريا، فإن هذا يؤثر على العراق، ومع سقوط بغداد ودمشق في أيدي أنظمة رجعية قد تتهاون في التعامل مع إسرائيل، تبقى القاهرة وحدها في المواجهة، لذلك فمن المهم جدا أن تقف القاهرة إلى جانب دمشق في هذه الأزمة.
ناصر يغلق خليج العقبة
في أبريل كان التوتر على الحدود الإسرائيلية السورية في شدته.. رئيس الوزراء الإسرائيلي يعلن أمام الكنيست أن إسرائيل قررت أن ترد بالطريقة التي تراها مناسبة على سوريا وأن الطريق إلى دمشق مفتوح، ويعلن أن إسرائيل تعلم جيدا أن سوريا تقف وراء أعمال التخريب التي يقوم بها الفدائيون الفلسطينيون داخل إسرائيل، فترد سوريا ببيان شديد تؤكد نيتها في إشعال الموقف إذا قامت إسرائيل بأي هجمات ضدها، وأكد البيان أن الولايات المتحدة قد حولت إسرائيل إلى مجرم محترف.
الموقف يشتعل على الحدود السوريةفي منتصف مايو 67 كان الموقف واضحا في القاهرة.. الاتحاد السوفيتي أبلغ عبد الناصر بالحشود الإسرائيلية الضخمة أمام الحدود السورية، وكان تحليل عبد الناصر للموقف كالآتي.. التهديدات الإسرائيلية حقيقية، حتى ولو كانت كما يردد البعض مجرد حرب نفسية، فإنها من الممكن أن تؤثر على الجبهة الداخلية السورية.. إذا سقط النظام في سوريا، فإن هذا يؤثر على العراق، ومع سقوط بغداد ودمشق في أيدي أنظمة رجعية قد تتهاون في التعامل مع إسرائيل، تبقى القاهرة وحدها في المواجهة، لذلك فمن المهم جدا أن تقف القاهرة إلى جانب دمشق في هذه الأزمة.
ناصر يغلق خليج العقبة
في 16 مايو كانت القيادة المصرية تطلب من قائد قوات الطوارئ الدولية في سيناء سحب قواته، وتحركت القوات المصرية للسيطرة على خليج العقبة، وبعد مشاورات كثيرة في الحكومة المصرية اتخذ عبد الناصر القرار الحاسم بلا رجعة وصدرت التعليمات صباح 22 مايو بغلق خليج العقبة تماما أمام جميع السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي ومنع وصول ناقلات البترول إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، وأعلن عبد الناصر أن سبب قراره يرجع إلى التهديدات الإسرائيلية لسوريا، وطالب الدول العربية أن تضغط على شاه إيران ليوقف تصدير البترول إلى إسرائيل قائلا: "إذا توقف إمداد البترول الإيراني إلى إسرائيل فإن إسرائيل قد تفكر مرتين قبل أن تتحرك بالعدوان".
وبينما اشتعل الموقف في عواصم العالم تأييدا أو احتجاجا على قرار عبد الناصر، كان ليفي أشكول يعلن اتخاذ إجراءات بتعبئة قوات الاحتياط الإسرائيلية، وإلى القاهرة وصل يو ثانت السكرتير العام للأمم المتحدة للحديث مع عبد الناصر بشأن الأزمة، وكان السؤال الأهم في حديثهما هل خليج العقبة مياه إقليمية لمصر من حقها أن تغلقه في وجه السفن الإسرائيلية -كما يصر عبد الناصر- أم هو ممر دولي كما قال ليندون جونسون الرئيس الأمريكي؟ ورفض عبد الناصر بشدة التراجع عن قراره بغلق الخليج قائلا: "نحن لا نستطيع مجرد النظر في ذلك؛ لأننا لا نستطيع إصدار الأوامر لقواتنا بمشاهدة السفن الإسرائيلية مارة على مسافة ميل واحد من مواقعهم". وهنا يجب أن نوضح أن السفن التي تمر في خليج العقبة تمضي عبر مضيق ضيق عرضه ميل واحد، بين جزيرة كبيرة وساحل سيناء.
في صباح 25 مايو طلبت أمريكا من رعاياها في مصر مغادرة البلاد خلال أسبوع واحد على الأكثر، وهو ما رأته القيادة العسكرية في القاهرة بأن ثمة ترتيبا على نحو أو آخر بين إسرائيل وأمريكا، وأن قصارى جهدهم أن يتحققوا من مدى بُعد وعمق هذا الترتيب.
خيارات الحرب
وبينما اشتعل الموقف في عواصم العالم تأييدا أو احتجاجا على قرار عبد الناصر، كان ليفي أشكول يعلن اتخاذ إجراءات بتعبئة قوات الاحتياط الإسرائيلية، وإلى القاهرة وصل يو ثانت السكرتير العام للأمم المتحدة للحديث مع عبد الناصر بشأن الأزمة، وكان السؤال الأهم في حديثهما هل خليج العقبة مياه إقليمية لمصر من حقها أن تغلقه في وجه السفن الإسرائيلية -كما يصر عبد الناصر- أم هو ممر دولي كما قال ليندون جونسون الرئيس الأمريكي؟ ورفض عبد الناصر بشدة التراجع عن قراره بغلق الخليج قائلا: "نحن لا نستطيع مجرد النظر في ذلك؛ لأننا لا نستطيع إصدار الأوامر لقواتنا بمشاهدة السفن الإسرائيلية مارة على مسافة ميل واحد من مواقعهم". وهنا يجب أن نوضح أن السفن التي تمر في خليج العقبة تمضي عبر مضيق ضيق عرضه ميل واحد، بين جزيرة كبيرة وساحل سيناء.
في صباح 25 مايو طلبت أمريكا من رعاياها في مصر مغادرة البلاد خلال أسبوع واحد على الأكثر، وهو ما رأته القيادة العسكرية في القاهرة بأن ثمة ترتيبا على نحو أو آخر بين إسرائيل وأمريكا، وأن قصارى جهدهم أن يتحققوا من مدى بُعد وعمق هذا الترتيب.
خيارات الحرب
في تل أبيب كانت الحكومة تستعرض خيارات الرد على عبد الناصر.. أولها عملية عسكرية محدودة يتم فيها احتلال شرم الشيخ وفك الحصار عن خليج العقبة وتبدو ردا مباشرا على تهورات عبد الناصر.. ثانيها تدمير السلاح الجوي المصري واحتلال غزة وترقب ردود الفعل.. وإذا كان هذان الخياران ناقصين عسكريا فإن الخيار الثالث هو الحرب.. الحرب الشاملة، وقبلها لابد من تبين موقف القوتين العظميين بدقة.. لابد من الوصول لغاية الثقة في تأييد أمريكا، وحساب موقف السوفيت وهم الذين أكدوا لمصر الحشود الإسرائيلية لسوريا، ثم إنه من الضرورى أيضا حساب رد فعل أمريكا إذا تحرك السوفيت لنجدة حلفائهم في الشرق الأوسط.
نفس الحال يتكرر بسيناريو آخر في القاهرة.. عبد الناصر قلق من دعم السوفيت، فيرسل وزير الحربية شمس بدران إلى موسكو، لتؤكد له الحكومة السوفيتية بوضوح تمسكها بمساعدة الجمهورية العربية المتحدة سياسيا وماديا وعسكريا، وأن السوفيت سعداء بقوة الجمهورية العربية المتحدة؛ لأنهم -على حد قول وزير الخارجية السوفيتي- يحسون بأن لهم نصيبا في تشكيل هذه القوة ليس بالسلاح فحسب بل بالعمل والخبرة أيضا!
إلى القاهرة طار الملك حسين من عمان، ليجتمع بعبد الناصر بعد أن حسب خيار الحرب ووجد أن الأردن لن تقف ساكتة إذا اشتعل الموقف، وكان مطلب الملك حسين من عبد الناصر واضحا.. إنه يريد قائدا مصريا -اقترح أن يكون عبد المنعم رياض- لقيادة العمليات على الجبهة الأردنية، مادام الاتفاق أن تكون إدارة العمليات كلها تحت قيادة رئيس أركان حرب الجمهورية العربية المتحدة وبذلك يكون رياض حلقة اتصال مناسبة.. وحملت طائرة الملك العائدة إلى عمان الفريق المصري عبد المنعم رياض!
الأصدقاء يؤكدون.. الحرب وشيكة
نفس الحال يتكرر بسيناريو آخر في القاهرة.. عبد الناصر قلق من دعم السوفيت، فيرسل وزير الحربية شمس بدران إلى موسكو، لتؤكد له الحكومة السوفيتية بوضوح تمسكها بمساعدة الجمهورية العربية المتحدة سياسيا وماديا وعسكريا، وأن السوفيت سعداء بقوة الجمهورية العربية المتحدة؛ لأنهم -على حد قول وزير الخارجية السوفيتي- يحسون بأن لهم نصيبا في تشكيل هذه القوة ليس بالسلاح فحسب بل بالعمل والخبرة أيضا!
إلى القاهرة طار الملك حسين من عمان، ليجتمع بعبد الناصر بعد أن حسب خيار الحرب ووجد أن الأردن لن تقف ساكتة إذا اشتعل الموقف، وكان مطلب الملك حسين من عبد الناصر واضحا.. إنه يريد قائدا مصريا -اقترح أن يكون عبد المنعم رياض- لقيادة العمليات على الجبهة الأردنية، مادام الاتفاق أن تكون إدارة العمليات كلها تحت قيادة رئيس أركان حرب الجمهورية العربية المتحدة وبذلك يكون رياض حلقة اتصال مناسبة.. وحملت طائرة الملك العائدة إلى عمان الفريق المصري عبد المنعم رياض!
الأصدقاء يؤكدون.. الحرب وشيكة
في أول يونيو تلقى عبد الناصر رسالة من "هو شي منه" زعيم فيتنام الشهير يؤكد له أنه بما يعرفه عن نوايا الأمريكان وأساليب عملهم فإن الهجوم على مصر صار وشيكا، وتلقى عبد الناصر رسالة أخرى من صديقه الرئيس اليوغوسلافي تيتو يؤكد أن الهجوم الإسرائيلي واقع خلال ساعات.
وكمحاولة لقياس مدى كفاءة الطيران الإسرائيلي قامت طائرتان مصريتان بطلعة استكشاف على جنوب إسرائيل، ولم تتحرك الطائرات الإسرائيلية لملاحقتهما إلا بعد 14 دقيقة، وهو ما جعل المشير عبد الحكيم عامر يعلق بـ: إننا قد بالغنا كثيرا في تقدير كفاءة الطيران الإسرائيلي، وكان رأي عبد الناصر التدقيق في هذه المعلومات.
في تل أبيب تم تعيين الجنرال إسحق رابين وزيرا للدفاع، ليتولى بنفسه مقاليد الأمور في هذه الأزمة الخطيرة، ومن حوله رجال الحكومة يشجعونه على القيام بالخطوة العسكرية الكبرى مؤكدين أن لديه أكبر جيش يهودي في التاريخ ينتظر منه أمرا واحدا لتحقيق النصر، كما تلقى تأكيدات أمريكية بدعم موقف إسرائيل إلى النهاية.
تل أبيب تقرر.. الحرب الشاملةشهد يوم 4 يونيو أخطر اجتماع في تاريخ إسرائيل، وانتهى الاجتماع باتخاذ قرار الحرب الشاملة "لتحرير إسرائيل من قبضة العدوان التي تشتد تدريجيا حولها"، وتم تكليف وزير الدفاع بتحديد التوقيت، فيما يكلف وزير الخارجية الإسرائيلي باستنفاد كل إمكانيات العمل السياسي للحصول على تأييد المجتمع الدولي لقرار إسرائيل، وصوّت مجلس الوزراء على قرار الحرب بالإجماع.
وأشرقت شمس الخامس من يونيو 1967 ليبدأ سيناريو النكبة القاسي، في وقت كانت كل المؤشرات تشير فيه للقيادة المصرية أن إسرائيل على وشك القيام بهجوم عسكري، لكن أحدا في مصر كلها لم يتوقع أن تنتهي الأيام القليلة التالية بأبشع هزيمة للعرب في تاريخ القرن .
وكمحاولة لقياس مدى كفاءة الطيران الإسرائيلي قامت طائرتان مصريتان بطلعة استكشاف على جنوب إسرائيل، ولم تتحرك الطائرات الإسرائيلية لملاحقتهما إلا بعد 14 دقيقة، وهو ما جعل المشير عبد الحكيم عامر يعلق بـ: إننا قد بالغنا كثيرا في تقدير كفاءة الطيران الإسرائيلي، وكان رأي عبد الناصر التدقيق في هذه المعلومات.
في تل أبيب تم تعيين الجنرال إسحق رابين وزيرا للدفاع، ليتولى بنفسه مقاليد الأمور في هذه الأزمة الخطيرة، ومن حوله رجال الحكومة يشجعونه على القيام بالخطوة العسكرية الكبرى مؤكدين أن لديه أكبر جيش يهودي في التاريخ ينتظر منه أمرا واحدا لتحقيق النصر، كما تلقى تأكيدات أمريكية بدعم موقف إسرائيل إلى النهاية.
تل أبيب تقرر.. الحرب الشاملةشهد يوم 4 يونيو أخطر اجتماع في تاريخ إسرائيل، وانتهى الاجتماع باتخاذ قرار الحرب الشاملة "لتحرير إسرائيل من قبضة العدوان التي تشتد تدريجيا حولها"، وتم تكليف وزير الدفاع بتحديد التوقيت، فيما يكلف وزير الخارجية الإسرائيلي باستنفاد كل إمكانيات العمل السياسي للحصول على تأييد المجتمع الدولي لقرار إسرائيل، وصوّت مجلس الوزراء على قرار الحرب بالإجماع.
وأشرقت شمس الخامس من يونيو 1967 ليبدأ سيناريو النكبة القاسي، في وقت كانت كل المؤشرات تشير فيه للقيادة المصرية أن إسرائيل على وشك القيام بهجوم عسكري، لكن أحدا في مصر كلها لم يتوقع أن تنتهي الأيام القليلة التالية بأبشع هزيمة للعرب في تاريخ القرن .
لماذا لم نقُم بالضربة الأولى؟
رغم المؤشرات التي أكدت للقيادة المصرية أن إسرائيل على وشك المبادرة بالهجوم على مصر، يتعالى التساؤل: لماذا لم تبادر مصر بالضربة الأولى؟.. إجابة هذا السؤال يحمله اجتماع عبد الناصر مع القيادة العليا للقوات المسلحة والفريق صدقي محمود قائد القوات الجوية، الذي اقترح أن تقوم القوات المصرية بالضربة الأولى، لكن عبد الناصر رأى أن الطيران المصري لا يملك القوة ولا الخطة التي تسمح له بضربة أولى مؤثرة. كما أن قيام مصر بالضربة الأولى خطأ سياسي فادح قد يعطي لأمريكا الذريعة لتشارك بنفسها في القتال بطريقة سافرة لا يمكن لأحد أن يلومها عليها.
حرب الثلاث ساعات ونصف!
في الثامنة صباحاً بالضبط قامت موجة أولى من الطائرات الإسرائيلية عددها 174 طائرة بمجموعة من الغارات المتزامنة على كل قواعد الطيران في العمق المصري، ابتداءً من قاعدة أبو صوير على قناة السويس وحتى مطار الأقصر جنوباً. وخلال ثلاث ساعات وصل عدد الطائرات الإسرائيلية المغيرة إلى 492 تمكنت من إنهاء المعركة العسكرية بتدمير سلاح الطيران المصري على قواعده، وصارت فصول الحرب التي توالت خلال الأيام التالية مجرد تفاصيل لا تغيّر في الصورة النهائية للمعركة شيئاً.
وهكذا فقدت القيادة العسكرية المصرية أعصابها وتوازنها بعد أن ضاع سلاحها الفعال، وأصبح الجيش المصري في وضع عسكري لا يُطاق. فبدون غطاء من طائرات فوقه ومع سيطرة كاملة للأجواء من العدو وفي صحراء مكشوفة فإن القتال لا يصبح قتالاً، وإنما يتحوّل إلى قتل مهما كانت شجاعة الرجال!
الانسحاب هو الحل
وهكذا جاء أكثر القرارات العسكرية فداحة في تاريخ مصر الحديث.. عبد الحكيم عامر يأمر الجيش المصري في سيناء بالانسحاب، دون أن تصدر من القيادة أي تعليمات بخصوص أساليب تنفيذ هذا الانسحاب، مما أحدث فوضى ما بعدها فوضى في جيوش الجيش المصري. ويكفينا أن نعلم أن خسائر مصر في كل قطاعات الاشتباك مع العدو في اليوم الأول للقتال كانت 294 شهيداً، وبعد قرار الانسحاب وطريقة تنفيذه وصلت الخسائر إلى 6811 شهيداً حتى مساء يوم 8 يونيو!
ويُحلل هيكل عوامل أخرى قادت إلى الهزيمة، منها أسلوب عبد الناصر في إدارة الأزمة، فهو قاد أزمة 67 بنفس أسلوب أزمة 56، رغم أن الظروف كلها كانت مختلفة.. عبد الناصر تصوّر أن أمريكا لا يمكنها أن تساعد إسرائيل إلى النهاية؛ خوفاً من رد فعل سوفيتي، وخوفاً على علاقاتها مع العالم العربي، وخوفاً على مصالحها في المنطقة. فيما كانت كل المعلومات عن الجيش المصري تتدفق من أمريكا إلى إسرائيل، في وقت يتوزع الجيش المصري فيه ما بين اليمن وسيناء.
أين السوفيت؟
واجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي ليحتفل بالنصر الساحق الذي حققه الإسرائيليون في مصر.. وزير الداخلية شابيرا يُؤكد للكل: "إذا دخلنا القدس فنحن لا نستطيع الخروج منها، حتى إذا غضبت أمريكا خوفاً على مصالحها مع العرب.. حتى إذا حاربتنا أمريكا".
في القيادة العسكرية المصرية كان السؤال الذي يتردد بقوة أين السوفيت؟!.. صباح 6 يونيو يجتمع عبد الحكيم عامر مع السفير السوفيتي في لقاء عاجل، يصرخ عامر في وجهه أن "الأمريكان أعطوا لإسرائيل أحسن ما عندهم من سلاح، وأنتم أيها السوفيت تُؤخرون في طلباتنا ولا تعطوننا ما يوازي السلاح الأمريكي". فيتهرّب منه السوفيتي ويؤكد أن بلاده ستتحرك في مجلس الأمن لإصدار قرار بوقف إطلاق النار!
وأسرع عبد الناصر يُرسل رسالة خاصة إلى موسكو يؤكد للسوفيت أن مصر خسرت طائراتها، لكنها لم تخسر طياريها، وأنه -بدافع الصداقة العميقة بين القاهرة وموسكو- يُطالب السوفيت بمده فوراً بالطائرات. وجاءه الرد بأن موسكو وافقت على مد مصر بالطائرات، لكنها تفضّل أن تبعث بالطائرات داخل الصناديق إلى الجزائر، ومن هناك تتولى الجزائر شحنها إلى مصر، رغبة في تجنب استفزاز الولايات المتحدة.. وكان ذلك يعني ضياع أسبوع آخر!
7 يونيو.. أغرقوا ليبرتي!
راديو عمان لا يكف عن ترديد قبول الحكومة الأردنية وقف إطلاق النار؛ استجابة لقرار مجلس الأمن، ورغم ذلك فالجيش الإسرائيلي يواصل عملياته العسكرية بلا توقف.. في ذلك الوقت كانت المدمرة الأمريكية ليبرتي تتجسس على سير المعارك من مياه البحر المتوسط مرسلة كل ما لديها من معلومات دقيقة إلى واشنطن، الأمر الذي أشعر الإسرائيليون بأن هناك عيناً أمريكية تراقب تحركاتهم، هنا اتخذ موشي ديان قراراً لا رجعة فيه.. أغرقوا ليبرتي!
وهكذا هاجمت الطوربيدات الإسرائيلية المدمرة الأمريكية وغمرتها بنيرانها، على مرأى من مركز الاستطلاع اللاسلكي المصري الذي لم يفهم ما يحدث، وما الذي يدفع الإسرائيليون ليهاجموا حلفاءهم بهذا الشكل، وفي الصباح أعلنت الحكومة الإسرائيلية اعتذارها واستعدادها لتحمل أي تعويضات عن الباخرة وطاقمها!
الجولان تسقط
ورغم أن الحكومة الإسرائيلية كانت تفكر جدياً في قبول قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، إلا أنها رأت أن الفرصة الآن سانحة لأن تنتهي من كل أعدائها دفعة واحدة.. تحرّكت الجيوش الإسرائيلية لاحتلال القدس والضفة الغربية، وحتى لا يتركوا الجيش السوري مصدراً دائماً للإزعاج فقد انطلق الإسرائيليون ليحتلوا هضبة الجولان أيضاً وسقطت في أيديهم في ساعات.
وجاءت زيارة الرئيس الجزائري بومدين إلى موسكو يوم 12 يونيو؛ ليتبيّن الموقف السوفيتي المؤسف مع العرب.. بومدين كان صريحاً وأبلغ السوفيت بوضوح: "أنتم تتصرفون بأقصى درجات الضعف والآخرون يتصرفون بأقصى درجات القوة".
فضيحة عبد الحكيم عامر
أول تهديد بالانتحار قاله المشير عبد الحكيم عامر كان يوم 8 يونيو، فالرجل راح يصرخ مصرّاً أن قواته تحارب بالفعل في إيلات، وفي المساء أمسك مسدسه في يده وحاول إنهاء حياته، لكن رجاله منعوه، واتصل به عبد الناصر يرجوه "ألا يضيف الفضيحة إلى المصيبة"!
لكن هيكل لا يكتفي كعادته بسرد التاريخ بل يحلله ويُبدي فيه رأيه، وهو هنا يقدِّم لنا أهم أسباب النكسة.. أولاً أن الخطأ الأكبر خطأ مخابرات، أخطأت في تقدير قدرات العدو ومدى قواته على نحو مخيف. وثانيها خطأ في تصور مدى قدرة طائراته على توجيه الضربة الجوية، فلقد كانت كل توقعات القيادة المصرية أن الطيران الإسرائيلي لا يستطيع في ضربته تجاوز مطارات سيناء، غير مدركة أن أمريكا زودت الطائرات الإسرائيلية بخزانات وقود إضافية تمكنها من الوصول إلى العمق المصري. وثالثاً الظن الخاطئ بأن في إمكان القوات الجوية المصرية استيعاب الضربة الجوية الإسرائيلية والرد عليها، كما أن مصر لم تعرف أن إسرائيل حصلت من بريطانيا على خططها أيام حرب 56 بخصوص ضرب المطارات المصرية، وهي الخطة ذاتها التي نفّذتها إسرائيل لضرب مطارات مصر. ورابعاً أن أحداً في مصر لم يتصوّر حجم المعلومات المتوافرة عن قواتنا ومطاراتنا ومحطات الرادار في مصر لدى العدو، كما أن الخطأ السادس والأكثر غرابة أن التعليمات صدرت يوم 5 يونيو -وهو اليوم الذي توقّعه عبد الناصر بنفسه لبدء الحرب- بتقييد نيران المدفعية المصرية!
الطريق إلى الاستقالة
كان كل شيء ينذر بالشؤم لعبد الناصر منذ اللحظات الأولى للضربة الإسرائيلية.. عبد الحكيم عامر يُحاول إخفاء المعلومات عنه بشأن حجم الخسائر، وبدأ الخلاف بين الرجلين.. قال عبد الناصر بوضوح لعامر إن الثورة قد انتهت، وإنه عليهما أن يرتّبا الأوضاع في البلد ويتركا الحكم.. واتصل ناصر بهيكل في مكتبه يناقشه فيما ينبغي عمله، ورأى هيكل أنه لم يعد أمامه سوى الاستقالة، وهو ما رآه ناصر أيضاً، وطلب من هيكل أن يكتب له خطاب الاستقالة.
شعب غريب!
في اللقاء الذي جمع هيكل وناصر صباح يوم 9 يونيو اتفق الاثنان على ترشيح زكريا محيي الدين ليخلف عبد الناصر، ثم بدأ هيكل قراءة خطاب التنحي على مسامع عبد الناصر، وجاءت الجملة الشهيرة: "وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفي في الأزمة، فإني على استعداد لتحمل نصيبي من المسئولية.." -كما كتبها هيكل- فأوقفه عبد الناصر وطالبه بتصحيحها من "نصيبي من المسئولية" إلى "تحمل المسئولية كاملة".
في السابعة مساءً أذاعت الإذاعة المصرية خطاب التنحي الشهير، لتتفجر الأوضاع في القاهرة، وتضطرب العاصمة المصرية بجماهير من المواطنين يجوبون الشوارع معترضين على تنحي عبد الناصر، ودخل النواب مجلس الأمن واعتبروا أنفسهم في اجتماع شرعي ملحين على مطلب عودة عبد الناصر، واقتحم المتحمسون بيت عبد الناصر وصعد بعضهم إلى غرفته يطلبون عودته فوراً، وتوالت البرقيات والبيانات الرسمية من رؤساء دول العالم على عبد الناصر تطالبه أن يعود، ولم تمضِ الليلة إلا وعبد الناصر يُعلن أنه سيذهب غداً إلى مجلس الأمة؛ ليناقش الشعب في قراره، واتصل بهيكل ليقول له: "إن هذا الشعب غريب.. تصورت أنه سينصب لي مشنقة في ميدان التحرير فإذا تصرفه عكس ذلك".
بعد الهزيمة
عاد عبد الناصر وبدأت عملية ترتيب الأوراق، وأعلن عبد الناصر استراتيجية المراحل الثلاث.. الصمود ثم الردع ثم التحرير.. وبدأت أولى الخطوات العملية لرد فعل النكسة في 21 أكتوبر 1967 عندما قام قاربان من قوارب الصواريخ المصرية بضرب المدمرة الإسرائيلية إيلات وإغراقها في دقائق بكل ما عليها ومن عليها، وكانت تلك بداية مرحلة جديدة في تاريخ السلاح في العالم، فقد بدأ بها عصر جديد دخلت به الحروب إلى عصر الصواريخ.
رغم المؤشرات التي أكدت للقيادة المصرية أن إسرائيل على وشك المبادرة بالهجوم على مصر، يتعالى التساؤل: لماذا لم تبادر مصر بالضربة الأولى؟.. إجابة هذا السؤال يحمله اجتماع عبد الناصر مع القيادة العليا للقوات المسلحة والفريق صدقي محمود قائد القوات الجوية، الذي اقترح أن تقوم القوات المصرية بالضربة الأولى، لكن عبد الناصر رأى أن الطيران المصري لا يملك القوة ولا الخطة التي تسمح له بضربة أولى مؤثرة. كما أن قيام مصر بالضربة الأولى خطأ سياسي فادح قد يعطي لأمريكا الذريعة لتشارك بنفسها في القتال بطريقة سافرة لا يمكن لأحد أن يلومها عليها.
حرب الثلاث ساعات ونصف!
في الثامنة صباحاً بالضبط قامت موجة أولى من الطائرات الإسرائيلية عددها 174 طائرة بمجموعة من الغارات المتزامنة على كل قواعد الطيران في العمق المصري، ابتداءً من قاعدة أبو صوير على قناة السويس وحتى مطار الأقصر جنوباً. وخلال ثلاث ساعات وصل عدد الطائرات الإسرائيلية المغيرة إلى 492 تمكنت من إنهاء المعركة العسكرية بتدمير سلاح الطيران المصري على قواعده، وصارت فصول الحرب التي توالت خلال الأيام التالية مجرد تفاصيل لا تغيّر في الصورة النهائية للمعركة شيئاً.
وهكذا فقدت القيادة العسكرية المصرية أعصابها وتوازنها بعد أن ضاع سلاحها الفعال، وأصبح الجيش المصري في وضع عسكري لا يُطاق. فبدون غطاء من طائرات فوقه ومع سيطرة كاملة للأجواء من العدو وفي صحراء مكشوفة فإن القتال لا يصبح قتالاً، وإنما يتحوّل إلى قتل مهما كانت شجاعة الرجال!
الانسحاب هو الحل
وهكذا جاء أكثر القرارات العسكرية فداحة في تاريخ مصر الحديث.. عبد الحكيم عامر يأمر الجيش المصري في سيناء بالانسحاب، دون أن تصدر من القيادة أي تعليمات بخصوص أساليب تنفيذ هذا الانسحاب، مما أحدث فوضى ما بعدها فوضى في جيوش الجيش المصري. ويكفينا أن نعلم أن خسائر مصر في كل قطاعات الاشتباك مع العدو في اليوم الأول للقتال كانت 294 شهيداً، وبعد قرار الانسحاب وطريقة تنفيذه وصلت الخسائر إلى 6811 شهيداً حتى مساء يوم 8 يونيو!
ويُحلل هيكل عوامل أخرى قادت إلى الهزيمة، منها أسلوب عبد الناصر في إدارة الأزمة، فهو قاد أزمة 67 بنفس أسلوب أزمة 56، رغم أن الظروف كلها كانت مختلفة.. عبد الناصر تصوّر أن أمريكا لا يمكنها أن تساعد إسرائيل إلى النهاية؛ خوفاً من رد فعل سوفيتي، وخوفاً على علاقاتها مع العالم العربي، وخوفاً على مصالحها في المنطقة. فيما كانت كل المعلومات عن الجيش المصري تتدفق من أمريكا إلى إسرائيل، في وقت يتوزع الجيش المصري فيه ما بين اليمن وسيناء.
أين السوفيت؟
واجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي ليحتفل بالنصر الساحق الذي حققه الإسرائيليون في مصر.. وزير الداخلية شابيرا يُؤكد للكل: "إذا دخلنا القدس فنحن لا نستطيع الخروج منها، حتى إذا غضبت أمريكا خوفاً على مصالحها مع العرب.. حتى إذا حاربتنا أمريكا".
في القيادة العسكرية المصرية كان السؤال الذي يتردد بقوة أين السوفيت؟!.. صباح 6 يونيو يجتمع عبد الحكيم عامر مع السفير السوفيتي في لقاء عاجل، يصرخ عامر في وجهه أن "الأمريكان أعطوا لإسرائيل أحسن ما عندهم من سلاح، وأنتم أيها السوفيت تُؤخرون في طلباتنا ولا تعطوننا ما يوازي السلاح الأمريكي". فيتهرّب منه السوفيتي ويؤكد أن بلاده ستتحرك في مجلس الأمن لإصدار قرار بوقف إطلاق النار!
وأسرع عبد الناصر يُرسل رسالة خاصة إلى موسكو يؤكد للسوفيت أن مصر خسرت طائراتها، لكنها لم تخسر طياريها، وأنه -بدافع الصداقة العميقة بين القاهرة وموسكو- يُطالب السوفيت بمده فوراً بالطائرات. وجاءه الرد بأن موسكو وافقت على مد مصر بالطائرات، لكنها تفضّل أن تبعث بالطائرات داخل الصناديق إلى الجزائر، ومن هناك تتولى الجزائر شحنها إلى مصر، رغبة في تجنب استفزاز الولايات المتحدة.. وكان ذلك يعني ضياع أسبوع آخر!
7 يونيو.. أغرقوا ليبرتي!
راديو عمان لا يكف عن ترديد قبول الحكومة الأردنية وقف إطلاق النار؛ استجابة لقرار مجلس الأمن، ورغم ذلك فالجيش الإسرائيلي يواصل عملياته العسكرية بلا توقف.. في ذلك الوقت كانت المدمرة الأمريكية ليبرتي تتجسس على سير المعارك من مياه البحر المتوسط مرسلة كل ما لديها من معلومات دقيقة إلى واشنطن، الأمر الذي أشعر الإسرائيليون بأن هناك عيناً أمريكية تراقب تحركاتهم، هنا اتخذ موشي ديان قراراً لا رجعة فيه.. أغرقوا ليبرتي!
وهكذا هاجمت الطوربيدات الإسرائيلية المدمرة الأمريكية وغمرتها بنيرانها، على مرأى من مركز الاستطلاع اللاسلكي المصري الذي لم يفهم ما يحدث، وما الذي يدفع الإسرائيليون ليهاجموا حلفاءهم بهذا الشكل، وفي الصباح أعلنت الحكومة الإسرائيلية اعتذارها واستعدادها لتحمل أي تعويضات عن الباخرة وطاقمها!
الجولان تسقط
ورغم أن الحكومة الإسرائيلية كانت تفكر جدياً في قبول قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، إلا أنها رأت أن الفرصة الآن سانحة لأن تنتهي من كل أعدائها دفعة واحدة.. تحرّكت الجيوش الإسرائيلية لاحتلال القدس والضفة الغربية، وحتى لا يتركوا الجيش السوري مصدراً دائماً للإزعاج فقد انطلق الإسرائيليون ليحتلوا هضبة الجولان أيضاً وسقطت في أيديهم في ساعات.
وجاءت زيارة الرئيس الجزائري بومدين إلى موسكو يوم 12 يونيو؛ ليتبيّن الموقف السوفيتي المؤسف مع العرب.. بومدين كان صريحاً وأبلغ السوفيت بوضوح: "أنتم تتصرفون بأقصى درجات الضعف والآخرون يتصرفون بأقصى درجات القوة".
فضيحة عبد الحكيم عامر
أول تهديد بالانتحار قاله المشير عبد الحكيم عامر كان يوم 8 يونيو، فالرجل راح يصرخ مصرّاً أن قواته تحارب بالفعل في إيلات، وفي المساء أمسك مسدسه في يده وحاول إنهاء حياته، لكن رجاله منعوه، واتصل به عبد الناصر يرجوه "ألا يضيف الفضيحة إلى المصيبة"!
لكن هيكل لا يكتفي كعادته بسرد التاريخ بل يحلله ويُبدي فيه رأيه، وهو هنا يقدِّم لنا أهم أسباب النكسة.. أولاً أن الخطأ الأكبر خطأ مخابرات، أخطأت في تقدير قدرات العدو ومدى قواته على نحو مخيف. وثانيها خطأ في تصور مدى قدرة طائراته على توجيه الضربة الجوية، فلقد كانت كل توقعات القيادة المصرية أن الطيران الإسرائيلي لا يستطيع في ضربته تجاوز مطارات سيناء، غير مدركة أن أمريكا زودت الطائرات الإسرائيلية بخزانات وقود إضافية تمكنها من الوصول إلى العمق المصري. وثالثاً الظن الخاطئ بأن في إمكان القوات الجوية المصرية استيعاب الضربة الجوية الإسرائيلية والرد عليها، كما أن مصر لم تعرف أن إسرائيل حصلت من بريطانيا على خططها أيام حرب 56 بخصوص ضرب المطارات المصرية، وهي الخطة ذاتها التي نفّذتها إسرائيل لضرب مطارات مصر. ورابعاً أن أحداً في مصر لم يتصوّر حجم المعلومات المتوافرة عن قواتنا ومطاراتنا ومحطات الرادار في مصر لدى العدو، كما أن الخطأ السادس والأكثر غرابة أن التعليمات صدرت يوم 5 يونيو -وهو اليوم الذي توقّعه عبد الناصر بنفسه لبدء الحرب- بتقييد نيران المدفعية المصرية!
الطريق إلى الاستقالة
كان كل شيء ينذر بالشؤم لعبد الناصر منذ اللحظات الأولى للضربة الإسرائيلية.. عبد الحكيم عامر يُحاول إخفاء المعلومات عنه بشأن حجم الخسائر، وبدأ الخلاف بين الرجلين.. قال عبد الناصر بوضوح لعامر إن الثورة قد انتهت، وإنه عليهما أن يرتّبا الأوضاع في البلد ويتركا الحكم.. واتصل ناصر بهيكل في مكتبه يناقشه فيما ينبغي عمله، ورأى هيكل أنه لم يعد أمامه سوى الاستقالة، وهو ما رآه ناصر أيضاً، وطلب من هيكل أن يكتب له خطاب الاستقالة.
شعب غريب!
في اللقاء الذي جمع هيكل وناصر صباح يوم 9 يونيو اتفق الاثنان على ترشيح زكريا محيي الدين ليخلف عبد الناصر، ثم بدأ هيكل قراءة خطاب التنحي على مسامع عبد الناصر، وجاءت الجملة الشهيرة: "وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفي في الأزمة، فإني على استعداد لتحمل نصيبي من المسئولية.." -كما كتبها هيكل- فأوقفه عبد الناصر وطالبه بتصحيحها من "نصيبي من المسئولية" إلى "تحمل المسئولية كاملة".
في السابعة مساءً أذاعت الإذاعة المصرية خطاب التنحي الشهير، لتتفجر الأوضاع في القاهرة، وتضطرب العاصمة المصرية بجماهير من المواطنين يجوبون الشوارع معترضين على تنحي عبد الناصر، ودخل النواب مجلس الأمن واعتبروا أنفسهم في اجتماع شرعي ملحين على مطلب عودة عبد الناصر، واقتحم المتحمسون بيت عبد الناصر وصعد بعضهم إلى غرفته يطلبون عودته فوراً، وتوالت البرقيات والبيانات الرسمية من رؤساء دول العالم على عبد الناصر تطالبه أن يعود، ولم تمضِ الليلة إلا وعبد الناصر يُعلن أنه سيذهب غداً إلى مجلس الأمة؛ ليناقش الشعب في قراره، واتصل بهيكل ليقول له: "إن هذا الشعب غريب.. تصورت أنه سينصب لي مشنقة في ميدان التحرير فإذا تصرفه عكس ذلك".
بعد الهزيمة
عاد عبد الناصر وبدأت عملية ترتيب الأوراق، وأعلن عبد الناصر استراتيجية المراحل الثلاث.. الصمود ثم الردع ثم التحرير.. وبدأت أولى الخطوات العملية لرد فعل النكسة في 21 أكتوبر 1967 عندما قام قاربان من قوارب الصواريخ المصرية بضرب المدمرة الإسرائيلية إيلات وإغراقها في دقائق بكل ما عليها ومن عليها، وكانت تلك بداية مرحلة جديدة في تاريخ السلاح في العالم، فقد بدأ بها عصر جديد دخلت به الحروب إلى عصر الصواريخ.
المقالان على بص وطل:
No comments:
Post a Comment