- هذه هي أمريكا
عنوان كتاب لشاب لا يزال في السنة النهائية بالجامعة الأمريكية قسم الإعلام هو علاء مصباح، ذهب إلي أمريكا لمدة أربعة أشهر ما بين يناير ومايو 1908 للدراسة في جامعة سوني نيوبولتز في مدينة نيوبولتز شمال نيويورك.
والحقيقة أن أمريكا شكلت للعالم منذ اكتشافها جنة عدن أو الفردوس المفقود لكن الحاصل أن أكثر من زارها من كتاب العالم عاد منها وقد استقر في روحه عكس ذلك.
وبعيدًا حتي عن الفكرة الحقيقية المستقرة في ضمائر الكتاب من أنها الدولة التي قامت علي الإثم، إثم إبادة الهنود الحمر وإثم استعباد الزنوج، فالمسافر إلي أمريكا يشعر بالاغتراب منذ اللحظة الأولي التي ينزل فيها في أي من مطاراتها .
كل شيء في أمريكا كبير وضخم وفراغها واسع والغرباء يملأون الطرقات والسرعة هي القاسم المشترك الأكبر بين الجميع.
ليس فيها الإحساس بالدفء الذي يمكن أن تشعر به في فرنسا في عز البرد، وأنت تري المقاهي علي جانبي كل طريق أو وانت تري أسماء الشوارع باسماء العلماء والفنانين رغم أنك إذا جربت وتحدثت مع شخص أمريكي ستجد إقبالاً منه لا تجده في الفرنسي أو الألماني فهم في الأصل غرباء جميعا.
هذا الأمر لا يخصنا نحن الأقرب إلي البحر المتوسط ولكن يخص كل من سافر إلي أمريكا.
ورغم انك تجد المتاحف والكتب والسينمات إلا أن هذا الإحساس لا يفارقك. عالم من الزحام أو الفراغ الرهيب.
لقد حدث لي ذلك أنا أيضاً حين سافرت إلي أمريكا أول مرة عام 1996 واعتذرت بعد ذلك مرتين عن السفر رغم الدعوة الكريمة من أكثر من جامعة.
ولا أنسي كيف اعتذرت أول مرة لسبب لم يفهمه أحد، وهو حلم غريب ظل يأتيني قبل السفر بأني أمشي علي أرصفة قطارات طويلة لا يقف عليها أحد وليس أمامي إلا الجليد يملأ الفضاء، أما في المرة الثانية فلم يكن هناك أي سبب للاعتذار لا في الحلم ولا في اليقظة إلا أنني استطعت أن أمضي هناك ثلاثة أشهر كاملة.
والحقيقة أن هذه الصورة لأمريكا قدمتها السينما الأمريكية نفسها في أفلام كثيرة أيضًا.
كتاب الشاب علاء مصباح ليس صغيرًا، أكثر من ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط، وبالنظر إلي سن كاتبه للوهلة الأولي تندهش إلا أنك ما أن تبدأ فيه حتي لا تتركه من فرط المتعة المتدفقة من لغة الكاتب الشاب وقدرته علي الوصف وتحليله المثير جدًا لما رآه تحليلا لا تختلف معه فيه بل لقد لفت نظري فهمه العميق لقضايانا السياسية العربية وموقعها عند من قابلهم من الطلاب أو غيرهم وسوء فهم الكثيرين للحياة في مصر التي لا يصدق الكثير منهم أن في مصر حياة عصرية وأنها ليست مجرد نهر حوله ناس وفيه تماسيح، بل من ملاحظاته القوية حديثه عن الهولوكست ومتحفه في مقر الأمم المتحدة والدعاية الكبيرة له وتوافق الإعلام الأمريكي عليه وكيف أن هذا المتحف من تبرعات اليهود أفرادًا وهيئات، أما الهولوكست الذي أقامته إسرائيل للفلسطينيين فلا يجد من يقيمه وإذا بدا لك أن تتحدث مع مسئول في الأمم المتحدة عن ضحايا غزة أو دير ياسين فسيفاجئك أن هذا أمر عادي، فضحايا البلقان أكثر وضحايا رواندا أكثر والمسئولون في الأمم المتحدة يتعاملون مع القضايا كلها بروح باردة ولا يعنيهم أنك مفجوع فما أكثر الفواجع في العالم الذي يديرون سياسته.
وهكذا يبدو كم نحن مقصرون.
وهكذا يمضي بك الكتاب الممتع الذي قدم لك كل شيء في رحلته ابتداء من النوم إلي الدراسة إلي الأكل إلي الرحلات الداخلية والزيارات بحيث تكون كأنك معه وفي النهاية لا تحب أمريكا فتجده علي خطي السابقين من كتاب العالم وتظل أمريكا رغم ذلك هي حلم الجميع.
أمتعني الشاب الصغير علاء مصباح بلغته وبفهمه وطموحه والكتاب إذا بدأت قراءته لن تتركه حتي لو كنت زرت أمريكا من قبل أو قرأت عنها أو رأيتها في السينما.
الأربعاء 28 أكتوبر 2009
لينك المقال
No comments:
Post a Comment