استطاع مسلسل الجماعة أن يجذب أنظار الجماهير منذ أيامه الأولى، لاسيما مع الضجة التى أثارها المسلسل مع أول أيام عرضه، وكانت الحلقات الأولى من المسلسل عامرة بظهور نجوم السينما وتطور الأحداث، مع إخراج متميز وصورة أكثر من رائعة تنافس الصورة السينمائية، لكن إيقاع المسلسل لم يلبث أن هبط كثيرا مع الإطالة فى استعراض حياة حسن البنا ،ثم كانت المفاجأة بانتهاء حلقات المسلسل عند 28 حلقة فقط على غير المعتاد، مع الوعد بجزء ثانى للمسلسل، مبشرا بأنه لا يزال فى جعبة وحيد حامد ومحمد ياسين الكثير.
حلقة أولى بكل عناصر الجذب:
استطاع صانعو "الجماعة" أن يجذبوا الأنظار منذ الحلقة الأولى ببراعة منقطعة النظير..ظهور أحمد حلمى ملقيا قصيدة اختارها بنفسه ،وأبدع فى إلقائها بصورة يعرف أنها ستثير اهتمام جمهوره الكبير وسيتم مشاهدتها مرارا وتكرارا على صفحات الفيس بوك واليوتيوب ومنتديات الانترنت..ثانيا: استفزاز أعضاء الإخوان ومؤيديهم بتجسيد شخصيات مميزة فى مكتب الإرشاد، ومشهد فى غاية الاستفزاز يظهر أحد أبرز كوادر الجماعة بمظهر رجل الأعمال المستغل الجشع عندما يطلب عبد العزيز مخيون –أيا كان من يجسده- من عامل السوبر ماركت لديه أن يعيد وضع المنتجات الدنماركية التى رفعها إبان الأزمة الشهيرة حتى تباع قبل أن تنفد صلاحيتها..مشهد بسيط يعرف صانعو المسلسل جيدا أنه لن يمر مرور الكرام، ومن ثم يهيج شباب الإخوان ويشنون حملات شعواء على الانترنت ضد المسلسل (دعاية مجانية لصالح رفع نسبة مشاهدة المسلسل، حتى أن تقارير إخبارية أكدت أن 70% من شباب الإخوان يتابعون المسلسل، وطبعا هؤلاء الشباب أغلبهم ناشط سياسيا، وسيكتب ويتحدث ويملأ الدنيا ضجيجا ضد المسلسل، مما يشجع أخرون لمتابعة المسلسل..هكذا ترتفع نسبة المشاهدة، تزداد الإعلانات، يزداد النجاح، تصل رسالة المسلسل لمزيد من الملايين..هل يحلم صانعو المسلسل بما هو أكثر؟)..
لماذا العرض العسكرى لبداية الأحداث؟
لم يخيب المسلسل أمل من بدؤوا متابعة المسلسل من حلقته الثانية، ليقدم لنا المسلسل واحدا من أعظم أخطاء الإخوان خلال السنوات الأخيرة (الاستعراض العسكرى لطلاب الجماعة فى جامعة الأزهر، وما حظا به وقتها من ضجة إعلامية كبرى)..إذن كشف وحيد حامد عن أنيابه وأعلن صراحة أنه يقدم عملا "ضد" الإخوان، لا سيما أنه أظهر ضباط أمن الدولة فى غاية اللطافة والبراءة..الكل تساءل: يعنى دونا عن كل ما فعله الإخوان خلال السنوات الماضية اختار وحيد حامد هذا الحدث الفردى ليبدأ به أحداثه الدرامية؟ لماذا لم يبدأ مثلا بالنجاح الساحق فى انتخابات مجلس الشعب واحتلال خمس مقاعد المجلس رغم الحظر والتزويير والاعتقالات؟..طبعا لأنه لا يريد أن يقول للناس أن "الإخوان ناجحين" لكنه يريد أن يقول للمشاهد "شفت الإخوان كخة ووحشين إزاى؟"..تعززت هذه الرسالة بقوة من خلال إظهار ضباط أمن الدولة قططا وديعة ،والخطب العصماء الطويلة التى يتبادلها أبطال المسلسل ليقولوا لنا "الناس فاهمة الدين غلط، الإخوان بيضحكوا ع الناس، شباب الإخوان مش عارفين هم عايزين، دول شباب غلابة والله بس الجماعة ضحكت عليهم" بمعنى "الجماعة وحشة بس الطلبة طيبين وغلابة ومضحكوك عليهم"!
دعك من المشاهد الكوميدية التى تتخلل المسلسل، والتى يعتقد صانعوه أنها قمة الدراما..راجع تحقيقات وكيل النيابة مع طلاب الإخوان المقبوض عليهم (هل المفروض الناس تصدق يعنى أن التحقيقات تتم بكل هذه الوداعة والحنان والحنية؟)..راجع حوار صلاح عبد الله مع ابنه المقبوض عليه فى غرفة وكيل النيابة..راجع كلام الضباط مع بعضهم البعض..حاجة غريبة..تحس أن وحيد حامد يريد أن يخبرك بصراحة "الإخوان دول كخة" لكنه يعيد صياغة الجملة بعشرات الصياغات..دول بيضحكوا على العيال الغلابة..دول بيلعبوا فى دماغ الطلبة..دول بيستغلوا احتياجات الطلبة المغتربين اللى مش لاقيين ياكلوا..بس كده..لم يظهر خلال التحقيقات طالب واحد مقتنع بفكر الجماعة ويعرف أهدافها وتاريخها جيدا، رغم أن وكيل النيابة أكد أكثر من مرة "الجماعة هى اللى بتختار أعضائها بدقة شديدة جدا جدا جدا"..أين هذه الدقة إذن؟ هل يظن وحيد حامد المشاهد ساذج لهذه الدرجة؟
:لماذا يعرض الجماعة الان؟
توقيت عرض المسلسل فى غاية غاية الأهمية..انتخابات مجلس الشعب قادمة، ومن الطبيعى أن تحشد أجهزة الدولة كل أبواقها للدعاية للحزب الحاكم، ولتأثير على الرأى العام ضد جماعة الإخوان..(لقد حققوا فوزا مخيفا فى الانتخابات الماضية، الأمر الذى لن تسمح به الحكومة مرة ثانية تحت أى مقياس، لذا فليس عجيبا أبدا أن يشترى التليفزيون المصرى المسلسل بعشرين مليون جنيه مصرى ويعرضه فى أوقات الذروة على قنواته).
المسلسل إذا كان يقدم الجماعة، فإنه –كعادة وحيد حامد –يكشف الكثير عن مصر الحقيقية..لم يجامل وحيد حامد الحكومة ولم يقل أبدا أن الناس مبسوطة..بالعكس..هو يقدم لنا جانبا حقيقيا من حياة البسطاء الذين يلعنون الحكومة ليلا ونهارا، وينساقون لأى حزب أو جماعة تعارض الحكومة..إذن وحيد حامد ليس منافقا، ولم تدفع له الحكومة لكى يكتب المسلسل، ولم يقامر بحياة المصريين وأوضاعهم..هو فقط يعبر عن مواقفه السياسية المعروفة جيدا ضد الإسلاميين بصفة عامة وضد الإخوان بصفة خاصة..لا جديد فى عالم وحيد حامد سوى تعامله بسذاجة أحيانا مع عقول المشاهدين لاسيما فى مشاهد تحقيقات النيابة مع العتقلين من طلبة الإخوان المسلمين.
أخيرا، إذا كان الإخوان يطالبوا ليلا ونهارا بحرية التعبير وحقهم فى المشاركة السياسية، فعليهم أيضا أن يحترموا الآخرين عندما يعبروا عن رأيهم..من حق الإخوان أن يختلفوا مع المسلسل وأن يعارضوه، وأن ينتجوا عملا فنيا موازيا للرد على المسلسل، لكن ليس من حقهم أبدا المطالبة بوقفه..هذه هى حرية التعبير..
، ورغم خبرة وحيد حامد الكبيرة فى السينما، لم ينج مسلسل الجماعة من أفة التطويل والمط، وهو العيب الأهم فى الدراما المصرية، حيث أطال حامد فى استعراض حياة حسن البنا من الطفولة الى الرشد الى تأسيس الجماعة، وكان من المتوقع أن ينتهى المسلسل على الأقل باغتيال حسن البنا، لكن توقفه فجأة عند الحلقة الثامنة والعشرين جعل البعض يتساءل إذا كان هناك من تدخل وحذف الحلقتين الأخيرتين من المسلسل عمدا حتى لا نرى الحكومة تغتال البنا – لاحظ معى أن قناة الجزيرة بدأت عرض فيلما وثائقيا من أفلام سلسلتها "الجريمة السياسية " عن اغتيال الإمام حسن البنا عقب انتهاء بث مسلسل "الجماعة" بنهايته المثيرة للجدل..هل هى مجرد مصادفة؟
فى الوقت الذى راحت فيه شبكات الفضائيات تعلن فيه أن مسلسلاتها هى الأكثر مشاهدة، كان أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليقزيون يؤكد ان مسلسل الجماعة المعروض على القنوات المصرية الرسمية هو الأكثر مشاهدة، لكن الواضح من نسبة الاعلانات وقوة المنافسة مع مسلسلات اجتماعية أكثر قربا من المشاهد المصرى البسيط أن الجماعة لم يكن أبدا الأكثر مشاهدة بين الجمهور المصرى حتى ولو أقسم صانعوه بذلك، وهكذا ينتهى الشهر الكريم والجماهير لا تزال تنتظر الجزء الثانى من "الجماعة" والمسلسل الذى يصنعه الإخوان الان للرد على "جماعة" وحيد حامد.
علاء مصباح
AUC Times
سبتمبر 2010
No comments:
Post a Comment