ها هو ذا كتاب عمر طاهر الجديد "جر ناعم"، وعمر طاهر هو صاحب الكتب الثلاثة التي احتلت قائمة الكتب الأكثر مبيعا خلال الأعوام القليلة الماضية "شكلها باظت" و"كابتن مصر" و"ابن عبد الحميد الترزي"، وإذا كنا نعرف جيدا طبيعة هذه الكتب فكلها ألبومات ساخرة؛ الأول اجتماعي، والثاني للمراهقين، والثالث للسينما، أما "جر ناعم" فهو كتاب مختلف جدا!
على ظهر الغلاف الخلفي يشوّقك عمر طاهر لمحتوى كتابه الجديد، فهو يخبرك بوضوح أنه ليس بمجموعة قصصية؛ لأنه يحتوي على مجموعة من القصائد، كما أنه ليس ديوان شعر؛ لأنه يحتوي على مقاطع من السيرة الذاتية، كما أنه ليس بسيرة ذاتية؛ لأن به قصصا من الخيال، ثم "أنت لست مضطرا إلى تسميته بل لست مضطرا للاحتفاظ به بين يديك أصلا" كما ينصحك طاهر.
الكتاب ينتقل بك بالفعل بين قصص خيالية يحكيها عمر طاهر عن أناس آخرين، أو قصص من حياته وخواطره الشخصية، وما بين هذا وذلك قصائد من شعره بالعامية، فهو لا يترك لك الفرصة لتبدي ضجرك من الكتاب، فلو مللت من خواطره يمكنك أن تنتقل إلى قصائده، وإذا ضقت بحكاياته ومواقفه الشخصية انتقل إلى قصصه الخيالية، وإذا مللت من كل هذا انتقل إلى هدية الكتاب التي سنتحدث عنها لاحقا.
في بعض مقالات السيرة الذاتية أشعر بأنها كانت أكثر مناسبة لو قرأتها على مدونة شخصية منها في كتاب مطبوع، لكن هذا لم يمنعني من أن أبدي إعجابي بعمقها، منها مثلا مقال "الكتلة والفراغ" الذي يرسم فيه عمر طاهر العلاقة الفريدة بينه وبين العنكبوت في حمام شقته، فقد جعلته الوحدة يتخذ من العنكبوت صديقا.. "تجعلني الوحدة أتعاطف مع بعض الكائنات التي تشاركني البيت أحيانا"... "لأيام طويلة كانت كتلة الدخان هي لعبتنا المفضلة أنا والعنكبوت أصبح يفهمني"... "تعاطفت معه وأعتقد أنني أصبحت مصدر البهجة الوحيد في حياته، أصبح العنكبوت صديقا تجمعنا صفات مشتركة؛ فكلانا وحيد يعيش في بيت من صنعه وبقوانينه".
تتضح الظروف النفسية التي يعيشها الكاتب من خلال مقالاته، فهو يعيش وحيدا في شقته بالقاهرة، يعاني الوحدة ويستمتع بها في نفس الوقت، يحب الاستماع إلى محمد محيي رغم سخرية أصدقائه، ويسافر بالقطار من حين لآخر لبلده سوهاج ليلتقي بالأهل والأقارب، العلاقة الفريدة شديدة الجمال التي تجمعه بشقيقاته البنات ومشاعره تجاهن في ليالي زفافهن.
في "ليست قصصا ولكنها قصيرة" يقدم لنا طاهر عددا من المواقف الشخصية التي يتعرض لها.. مثلا لماذا طلب من بائع الصحف عددا من الصحف اليومية وأعطاه ورقة نقدية بمائة جنيه وقال له "خلي الباقي علشانك".. وعن الأكل بالعصي في مطعم صيني.. "خرجت من المطعم الصيني مشغولا بالتفكير في العصي التي يستخدمها الصينيون برشاقة في طعامهم في الوقت الذي قادني فيه جهلي بطريقة استخدامها للخروج من المطعم جائعا".
أكثر القصص التي أعجبتني قصة "الرؤية" بما فيها من معانٍ إنسانية عميقة.. اقرأ معي: "هناك فراغات يتركها الراحلون، فراغات لا يمكن أن تملأها بشخص آخر، فالفراغ الذي يتركه رحيل الأم لا تملؤه حبيبة، والفراغ الذي تتركه الحبيبة لا يملؤه صديق، والفراغ الذي يتركه صديق لا يملؤه صديق آخر".. "الأشخاص كالألوان.. إذا رحل عن حياتك اللون الأحمر قد يهون عليك اللون الأخضر بعض الألم لكنه مهما كان مخلصا لن يصبح أحمر في يوم من الأيام".. ومع هذا يُؤخذ على الكتاب تواجد الأخطاء اللغوية والإملائية بكثرة، وهو ما تواجد في كتبه السابقة أيضا.
"ما تركته الفتاة في حياة الموحد بعد رحيلها" مجموعة من النصائح والمواقف والذكريات في حياة فتى وفتاة بعد انتهاء علاقتهما العاطفية.. عندما ودّعته اتّهمته بقائمة من الأمراض النفسية التي يعاني منها: "أنت موسوس.. أنت مجنون.. أنت عصبي..." نصائح كثيرة وجهتها له: "إنت لازم تروح لطبيب نفساني - تروح لشيخ - لازم تعرف إنت عايز إيه".. عادات جديدة تسللت لحياة الفتى كي ينسى: "إدمان الكلام في الموبايل.. إدمان الحشيش.. كتابة الشعر.. الاستماع إلى بهاء سلطان"!
أما هدية الكتاب -وهي في رأيي أقل ما في الكتاب متعة- فهي مائة جملة تصلح كـ: Sastus على facebook، وهو ما يخاطب به عمر طاهر جمهوره من المراهقين الشباب عشاق الفيس بوك.
في رأيي هذا الكتاب أكثر كتب عمر طاهر عمقا ومتعة وخبرة بالحياة، رغم أنه تخلى في كثير من مقالاته وقصصه عن السخرية التي يتميز بها، كما أنه يمثل مرحلة نضج الكاتب بعد كتبه السابقة التي كسب بها جمهورا عريضا من الشباب.
المقال على بص وطل:
http://www.boswtol.com/aldiwan/nkasakees_239_02.html
No comments:
Post a Comment