Sunday, December 26, 2010

راديو حريتنا:

من بيروت إلى وادى رم.. كتاب جديد لعلاء مصباح

نشر بتاريخ : 26 ديسمبر 2010

يصدر في معرض الكتاب 2011 كتاب جديد للكاتب الشاب علاء مصباح بعنوان "من بيروت إلى وادى رم" عن دار نهضة مصر.

الكتاب من أدب الرحلات وهو التجربة الثانية لعلاء مصباح الطالب بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بعد كتابه "هذه هي أمريكا".

Saturday, December 25, 2010

مقدمة كتابى : من بيروت إلى وادى رم



عندما كتبت كتابى عن أمريكا، كنت أكتب عن وجهة نظرى تجاه بلد أراها كل يوم على شاشات التليفزيون فى نشرات الأخبار وفى الأفلام الهوليودية وفى المسلسلات التليفزيونية..بلد قرأت عنها كثيرا ودرست عنها أيضا وكتب المئات غيرى عنها..اليوم عندما أكتب عن بلاد الشام وعن وطننا العربى أشعر بأننى أكتب حقا عما وددت أن أقرأه قبل أن أٌقوم بهذه الرحلة، لكننى للأسف لم أجد ما أقرأه بهذا الصدد.
إحدى وعشرون يوماً خلال صيف 2009 قضيتهم فى رحلةٍ طويلةٍ مرهقة – لكنها بالطبع شديدة الإمتاع- من بيروت إلى القاهرة براً..الرحلة التي لم أُرتب لها بدأت فى العاصمة اللبنانية بيروت، المدينة التي لا يمكنك أن تزورها دون أن تنبهر بجمالها وأناقتها ونظامها، ولا يمكنك أن تتخيل أنها قد شهدت حرباً شعواء منذ ثلاث سنوات فحسب، وأنها كانت منذ عشرين عاماً فحسب رماداً وأنقاضاً بعد خمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية.
فى بيروت كنت واحداً من أكثر من مائة شاب من مختلف دول العالم ينظمون أول نموذج دولي للأمم المتحدة فى لبنان، وكنت قد رتبت أن ينتهي المؤتمر فأعود أدراجي إلى القاهرة، لكن خططي تغيرت تماماً عندما قابلت كريس..كان كريس شاباً سويسرياً متحمساً مغرماً بالحضارة العربية والإسلامية..بهرنى عندما حدثني عن رحلته الطويلة التي بدأها قبل شهرٍ في أسطنبول وينوى استكمالها إلى سوريا والأردن و أخيراً مصر.
داعبت أحلامه خيالي ووجدت نفسي أُلمِحُ له إذا كان بإمكانى أن أنضم إليه فى رحلته، فرحب بى بحماسٍ شديد، وهكذا وجدت نفسي أنضم إليه وإلى صديقه هنرى لنبدأ معا رحلتنا عبر بلاد الشام.
أعترف أنني تعلمت كثيراً خلال الأيام العشرين التي قضيناها مرتحلين عبر هذه البلاد.. فى البداية كنت أشعر بالمسئولية الثقيلة، ووجدتُ نفسي العربي الوحيد بين جماعة من الأجانب، لا أفهم لغتهم ولا يفهمون لغتي، وبدأت أشعر بالغربة بينهم ونحن ننتقل من بيروت إلى شمال لبنان ثم نعود أدراجنا لنعبر الحدود إلى دمشق، ثم نختلف مع عامل الفندق فى دمشق لأنه لا يريدني أن أقيم معهما فى غرفة واحدة لأن ذلك "ممنوع"، ووجدت نفسي مسئولاً عن حمايتهما من الغش اللذي يتعرضان له باستمرارٍ من جانب السوريين لأنهما "سائحان"، كما تحتم على هويتي كعربي أن أتولى كل مهام التعامل مع المحليين من سائقى التاكسي وحتى الباعة الجائلين!
لكن مع الوقت زاد استمتاعي بمهمتي غير المألوفة.. فصرت أعتبر نفسي سفيراً عن جنسي وديني أمام اثنين من الأجانب، مطالباً بصفةٍ دائمة أن أُقدم لهما الصورة المشرقة من حضارتنا.. نزور معاً المسجد الأموي الكبير ونمضي إلى قبر سيدنا يحيى –عليه السلام- ثم قبر صلاح الدين الأيوبي ونقف أمام مقام سيدنا الحسين الذي يقول السوريون أن رأس الحسين بن علي قد دفنت هناك.
في صلاة الجمعة أصر "هنري" أن يأتي معي ويؤدى الصلاة وسط عشرات الآلاف من المصلين فى مشهد أثار دهشته وانبهاره.. فى الصحراء الأردنية أتعامل مع البدو وأفاصل معهم في أسعارهم وأحاول أن أجد تخفيضاً لنا وهم مشتتون لا يعرفون هل يعاملونا معاملة الأجانب أم معاملة العرب –لأنني هناك!
أجمل ما في الرحلة هو محاولاتنا الدائمة لأن نستوعب الاختلاف بين الدول الثلاث التي زرناها.. ساعتان فحسب نقلتنا من بيروت إلى دمشق كانت كأننا انتقلنا بين عالمين مختلفين تمام الاختلاف، ساعتان أخريتان نقلتنا من  دمشق إلى عمان، فدخلنا عالماً ثالثاً..أبسط مثال على ذلك العلم اللبناني الذي كنا نراه في مكان في لبنان، صورة حافظ الأسد المعلقة في كل مرمى وعلى كل مبنى وفي مقدمة كل متجرٍ في سوريا، الشوارع والمساجد والنوادي التي تحمل أغلبها أسماء العائلة الملكية فى الأردن.
انتهت رحلتنا الطويلة فى القاهرة..اصطحبت صديقيَ السويسريين إلى رحلة لن ينسياها إلى مسقط رأسي فى الدقهلية، ثم عُدنا إلى القاهرة نجوب شوارع الحسين وخان الخليلى وقضينا أخر ليالينا فى ساقية الصاوي على ضفاف النيل، قبل أن أودعهما وهما فى غاية الحزن والأسف لأن جولتهما فى الشرق الأوسط قد انتهت..
الآن وأنا أستعيد معكم هذه الرحلة أتذكر عشرات الدروس التي تعلمتها من صديقي السويسريين باعتبارهما محترفي سفر، وأعرف أنني رغم ضيقي خلال الأيام الأولى للرحلة إلا أنني استمتعت جدا بتبادل الآراء وخوض المناقشات الحامية واختلافاتنا التي تقع من حين لآخر..أستعيد كل هذا ولا أصدق أننا صعدنا معاً الجبال فى لبنان، وتجولنا معاً فى شوارع المدينة القديمة لدمشق، ونمنا معاً فى قلب الصحراء الأردنية، وعانينا الأمرَين على ظهر الباخرة الذاهبة إلى ميناء نويبع، وأجد نفسي أفتقد المدينة الجميلة التي أحببتها قبل أن أراها وهمت بها عشقا بعد أن رأيتها.."ست الدنيا" كما سماها نزار قبانى..بيروت 

لولاهم لما كان هذا الكتاب
فريق نموذج لبنان الدولى للأمم المتحدة Lebimun
رفقاء الرحلة : الصديقان العزيزان من سويسرا كريستوفر وهنرى
ومن البرتغال سيلفيا وخيتا
ومن سوريا عيد وأصدقائه
وكل الأصدقاء فى لبنان وسوريا والأردن على مساعدتهم



من بيروت إلى وادى رم
أدب رحلات
يصدر فى معرض القاهرة الدولى للكتاب
نهضة مصر للنشر والتوزيع

Monday, October 25, 2010

من بيروت إلى وادى رم - نهضة مصر - قريبا

بإذن الله تعالى يصدر قريبا كتابى الثانى

من بيروت إلى وادى رم
حكايات 21 يوما عبر بلاد الشام
أدب رحلات
دار نهضة مصر للنشر والتوزيع
مزيد من التفاصيل قريبا

Wednesday, September 29, 2010

الجماعة..لسه فيها أكتر


استطاع مسلسل الجماعة أن يجذب أنظار الجماهير منذ أيامه الأولى، لاسيما مع الضجة التى أثارها المسلسل مع أول أيام عرضه، وكانت الحلقات الأولى من المسلسل عامرة بظهور نجوم السينما وتطور الأحداث، مع إخراج متميز وصورة أكثر من رائعة تنافس الصورة السينمائية، لكن إيقاع المسلسل لم يلبث أن هبط كثيرا مع الإطالة فى استعراض حياة حسن البنا ،ثم كانت المفاجأة بانتهاء حلقات المسلسل عند 28 حلقة فقط على غير المعتاد، مع الوعد بجزء ثانى للمسلسل، مبشرا بأنه لا يزال فى جعبة وحيد حامد ومحمد ياسين الكثير.

حلقة أولى بكل عناصر الجذب:

استطاع صانعو "الجماعة" أن يجذبوا الأنظار منذ الحلقة الأولى ببراعة منقطعة النظير..ظهور أحمد حلمى ملقيا قصيدة اختارها بنفسه ،وأبدع فى إلقائها بصورة يعرف أنها ستثير اهتمام جمهوره الكبير وسيتم مشاهدتها مرارا وتكرارا على صفحات الفيس بوك واليوتيوب ومنتديات الانترنت..ثانيا: استفزاز أعضاء الإخوان ومؤيديهم بتجسيد شخصيات مميزة فى مكتب الإرشاد، ومشهد فى غاية الاستفزاز يظهر أحد أبرز كوادر الجماعة بمظهر رجل الأعمال المستغل الجشع عندما يطلب عبد العزيز مخيون –أيا كان من يجسده- من عامل السوبر ماركت لديه أن يعيد وضع المنتجات الدنماركية التى رفعها إبان الأزمة الشهيرة حتى تباع قبل أن تنفد صلاحيتها..مشهد بسيط يعرف صانعو المسلسل جيدا أنه لن يمر مرور الكرام، ومن ثم يهيج شباب الإخوان ويشنون حملات شعواء على الانترنت ضد المسلسل (دعاية مجانية لصالح رفع نسبة مشاهدة المسلسل، حتى أن تقارير إخبارية أكدت أن 70% من شباب الإخوان يتابعون المسلسل، وطبعا هؤلاء الشباب أغلبهم ناشط سياسيا، وسيكتب ويتحدث ويملأ الدنيا ضجيجا ضد المسلسل، مما يشجع أخرون لمتابعة المسلسل..هكذا ترتفع نسبة المشاهدة، تزداد الإعلانات، يزداد النجاح، تصل رسالة المسلسل لمزيد من الملايين..هل يحلم صانعو المسلسل بما هو أكثر؟)..

لماذا العرض العسكرى  لبداية الأحداث؟

لم يخيب المسلسل أمل من بدؤوا متابعة المسلسل من حلقته الثانية، ليقدم لنا المسلسل واحدا من أعظم أخطاء الإخوان خلال السنوات الأخيرة (الاستعراض العسكرى لطلاب الجماعة فى جامعة الأزهر، وما حظا به وقتها من ضجة إعلامية كبرى)..إذن كشف وحيد حامد عن أنيابه وأعلن صراحة أنه يقدم عملا "ضد"  الإخوان، لا سيما أنه أظهر ضباط أمن الدولة فى غاية اللطافة والبراءة..الكل تساءل: يعنى دونا عن كل ما فعله الإخوان خلال السنوات الماضية اختار وحيد حامد هذا الحدث الفردى ليبدأ به أحداثه الدرامية؟ لماذا لم يبدأ مثلا بالنجاح الساحق فى انتخابات مجلس الشعب واحتلال خمس مقاعد المجلس رغم الحظر والتزويير والاعتقالات؟..طبعا لأنه لا يريد أن يقول للناس أن "الإخوان ناجحين" لكنه يريد أن يقول للمشاهد "شفت الإخوان كخة ووحشين إزاى؟"..تعززت هذه الرسالة بقوة من خلال إظهار ضباط أمن الدولة قططا وديعة ،والخطب العصماء الطويلة التى يتبادلها أبطال المسلسل ليقولوا لنا "الناس فاهمة الدين غلط، الإخوان بيضحكوا ع الناس، شباب الإخوان مش عارفين هم عايزين، دول شباب غلابة والله بس الجماعة ضحكت عليهم" بمعنى "الجماعة وحشة بس الطلبة طيبين وغلابة ومضحكوك عليهم"!

دعك من المشاهد الكوميدية التى تتخلل المسلسل، والتى يعتقد صانعوه أنها قمة الدراما..راجع تحقيقات وكيل النيابة مع طلاب الإخوان المقبوض عليهم (هل المفروض الناس تصدق يعنى أن التحقيقات تتم بكل هذه الوداعة والحنان والحنية؟)..راجع حوار صلاح عبد الله مع ابنه المقبوض عليه فى غرفة وكيل النيابة..راجع كلام الضباط مع بعضهم البعض..حاجة غريبة..تحس أن وحيد حامد يريد أن يخبرك بصراحة "الإخوان دول كخة" لكنه يعيد صياغة الجملة بعشرات الصياغات..دول بيضحكوا على العيال الغلابة..دول بيلعبوا فى دماغ الطلبة..دول بيستغلوا احتياجات الطلبة المغتربين اللى مش لاقيين ياكلوا..بس كده..لم يظهر خلال التحقيقات طالب واحد مقتنع بفكر الجماعة ويعرف أهدافها وتاريخها جيدا، رغم أن وكيل النيابة أكد أكثر من مرة "الجماعة هى اللى بتختار أعضائها بدقة شديدة جدا جدا جدا"..أين هذه الدقة إذن؟ هل يظن وحيد حامد المشاهد ساذج لهذه الدرجة؟

:لماذا يعرض الجماعة الان؟

 توقيت عرض المسلسل فى غاية غاية الأهمية..انتخابات مجلس الشعب قادمة، ومن الطبيعى أن تحشد أجهزة الدولة كل أبواقها للدعاية للحزب الحاكم، ولتأثير على الرأى العام ضد جماعة الإخوان..(لقد حققوا فوزا مخيفا فى الانتخابات الماضية، الأمر الذى لن تسمح به الحكومة مرة ثانية تحت أى مقياس، لذا فليس عجيبا أبدا أن يشترى التليفزيون المصرى المسلسل بعشرين مليون جنيه مصرى ويعرضه فى أوقات الذروة على قنواته).

المسلسل إذا كان يقدم الجماعة، فإنه –كعادة وحيد حامد –يكشف الكثير عن مصر الحقيقية..لم يجامل وحيد حامد الحكومة ولم يقل أبدا أن الناس مبسوطة..بالعكس..هو يقدم لنا جانبا حقيقيا من حياة البسطاء الذين يلعنون الحكومة ليلا ونهارا، وينساقون لأى حزب أو جماعة تعارض الحكومة..إذن وحيد حامد ليس منافقا، ولم تدفع له الحكومة لكى يكتب المسلسل، ولم يقامر بحياة المصريين وأوضاعهم..هو فقط يعبر عن مواقفه السياسية المعروفة جيدا ضد الإسلاميين بصفة عامة وضد الإخوان بصفة خاصة..لا جديد فى عالم وحيد حامد سوى تعامله بسذاجة أحيانا مع عقول المشاهدين لاسيما فى مشاهد تحقيقات النيابة مع العتقلين من طلبة الإخوان المسلمين.

أخيرا، إذا كان الإخوان يطالبوا ليلا ونهارا بحرية التعبير وحقهم فى المشاركة السياسية، فعليهم أيضا أن يحترموا الآخرين عندما يعبروا عن رأيهم..من حق الإخوان أن يختلفوا مع المسلسل وأن يعارضوه، وأن ينتجوا عملا فنيا موازيا للرد على المسلسل، لكن ليس من حقهم أبدا المطالبة بوقفه..هذه هى حرية التعبير..

، ورغم خبرة وحيد حامد الكبيرة فى السينما، لم ينج مسلسل الجماعة من أفة التطويل والمط، وهو العيب الأهم فى الدراما المصرية، حيث أطال حامد فى استعراض حياة حسن البنا من الطفولة الى الرشد الى تأسيس الجماعة، وكان من المتوقع أن ينتهى المسلسل على الأقل باغتيال حسن البنا، لكن توقفه فجأة عند الحلقة الثامنة والعشرين جعل البعض يتساءل إذا كان هناك من تدخل وحذف الحلقتين الأخيرتين من المسلسل عمدا حتى لا نرى الحكومة تغتال البنا – لاحظ معى أن قناة الجزيرة بدأت عرض فيلما وثائقيا من أفلام سلسلتها "الجريمة السياسية " عن اغتيال الإمام حسن البنا عقب انتهاء بث مسلسل "الجماعة" بنهايته المثيرة للجدل..هل هى مجرد مصادفة؟

فى الوقت الذى راحت فيه شبكات الفضائيات تعلن فيه أن مسلسلاتها هى الأكثر مشاهدة، كان أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليقزيون يؤكد ان مسلسل الجماعة المعروض على القنوات المصرية الرسمية هو الأكثر مشاهدة، لكن الواضح من نسبة الاعلانات وقوة المنافسة مع مسلسلات اجتماعية أكثر قربا من المشاهد المصرى البسيط  أن الجماعة لم يكن أبدا الأكثر مشاهدة بين الجمهور المصرى حتى ولو أقسم صانعوه بذلك، وهكذا ينتهى الشهر الكريم والجماهير لا تزال تنتظر الجزء الثانى من "الجماعة" والمسلسل الذى يصنعه الإخوان الان للرد على "جماعة" وحيد حامد.
علاء مصباح
AUC Times
سبتمبر 2010

Thursday, August 5, 2010

المصرى اليوم : لا تنسوا القضية


فى محاضرات مادة التبادل الثقافى فى الجامعة، كان فصلى يعقد مؤتمراً بالفيديو – فيديو كونفراس - كل أسبوع مع فصل آخر يدرس نفس المادة فى الولايات المتحدة، وكانت هناك قائمة من المقالات أو الكتب علينا أن نقرأها كل أسبوع.. فى إحدى المحاضرات كان مقررا على الفصل الأمريكى أن يقرأ رواية «عمارة يعقوبيان» للدكتور علاء الأسوانى كتعبير عن قاهرة التسعينيات، لكى يفهموا أكثر عن القاهرة والمجتمع الشرقى.. هنا كان لابد أن أتوقف وأتساءل : أى فكرة سيأخذها هؤلاء الطلبة الأمريكان عن قاهرتنا بعد «عمارة يعقوبيان»؟
وبغض النظر إذا ما كانت هذه الفكرة إيجابية أو سلبية، فإن القضية أكبر من ذلك.. لقد لفتت نظرى إلى المسؤولية الكبرى الملقاة على عتق الكاتب عندما يكتب عن بلده.. إنه يعبر عن مجتمعه، عن وطنه، عن مواطنيه وأحلامهم ومشاكلهم وآمالهم، ينقل لهم وللعالم أجمع هذه القضية فى رواية.. مثلما يفعل المبدع دائما سواء فى رواية أو لوحة أو فيلم سينمائى أو قصيدة شعر..
فى رأيى لابد أن يقدم أى عمل فنى أو أدبى رسالة ما، لابد أن يتناول قضية ما، الكاتب أو المبدع لا يضحى بوقته ويكتب لنا رواية تتعدى صفحاتها مائتى صفحة أو فيلما يتكلف إنتاجه ملايين الجنيهات من أجل إمتاعنا فحسب، صحيح أن المتعة فى حد ذاتها هدف نبيل، لكن القضية التى يناقشها والتأثير الذى سيحدثه فى نفوس قرائه أو مشاهديه هدف نبيل آخر لابد ألا ينساه.
ما القضايا الكبرى التى تناقشها أفلامنا الآن؟.. القضية الفلسطينية صارت هامشية تماما، رغم أنها تحتل مساحة يومية من صفحات جرائدنا وتتصدر نشرات الأخبار وتتحول لحديث العامة أحيانا وقت أن يشتد الحصار أو تنطلق إسرائيل ضاربة أسطول الحرية أو قاصفة غزة.. حتى الأفلام القليلة التى ناقشت القضية قدمتها بسطحية منقطعة النظير، فقط تذكر مشهد الشاب جهاد الفلسطينى – عمرو واكد - فى فيلم «أصحاب ولا بيزنس» أو المظاهرة التى قادها محمد هنيدى فى «صعيدى فى الجامعة الأمريكية».. لماذا لا يناقش أبناء هذا الجيل قضايانا بشكل أعمق؟ لماذا لم يناقش عمل أدبى أو فنى أحداثا هزت العالم مثل أحداث ١١ سبتمبر، حرب العراق، حرب لبنان ٢٠٠٦، وهى الحرب الكبرى التى شهدها جيلنا بين العرب وإسرائيل؟
هذه الأعمال الفنية هى التى ستقدم للأجيال القادمة قضايا هذا الجيل.. وهذا الزمن.. فى التسعينيات انتشرت أفلام الإرهاب، لأن الظاهرة كانت منتشرة فعلا.. أبناء جيلى عرفوا عن حرب أكتوبر من السينما قبل أن يتعلموا عنها تلك الصفحات الموجزة فى كتب التاريخ.. عرفنا جمال عبدالناصر من «ناصر ٥٦» وعرفنا عن حرب الاستنزاف من «الطريق إلى إيلات» وعرفنا عن حرب أكتوبر من «الرصاصة لاتزال فى جيبى».. هذه الأفلام قدمت لنا تاريخاً لم نعشه، وأحيتنا فى واقع لم نتنفسه، حسنا.. السؤال الآن: ماذا ستعرف الأجيال القادمة عن جيلنا عندما تشاهد أفلامنا؟
يهمنى عندما أقضى أياما فى قراءة كتاب أو ساعتين فى مشاهدة فيلم، أن أخرج فى النهاية وأقول إن المبدع أراد أن يقول شيئا، وأنه غير أفكارى تجاه شىء آخر، وأنه أفادنى بكذا وكذا.. المبدع لا يمكن أن يغير العالم بكتاب أو فيلم، لكن يمكنه أن يؤثر فى عقول الملايين الذين سيحدثون هذا التغيير يوما ما.. يا أبناء جيلى، أقول هذا الكلام لنفسى قبل أن أقوله لأى أحد آخر.. لا تنسوا القضية!
علاء مصباح
جريدة المصرى اليوم
الأربعاء 4 أغسطس 2010


Sunday, July 11, 2010

سربرنيتشا..هل سمعت هذا الاسم من قبل؟




بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لثانى أكبر مذبحة فى أوروبا فى القرن العشرين


كان إيجور من مقدونيا..يقف أمام فصل الأمم المتحدة يعطى لنا عرضا تقديميا عن قوات حفظ السلام فى البوسنة..يجمع الأدلة على نجاح الأمم المتحدة فى مهامها خلال حرب البوسنة..كان كلامه منظما وأنيقا إلا أنه تجاهل الحديث عن عمد عن سربرنيتشا،وهى كارثة فى حق التاريخ أن ياتى ذكر حرب البوسنة دون الحديث عن سربرنيتشا..

ولم أحتمل هذا التجاهل المتعمد المثير للغيظ..رفعت يدى فأعطتنى البروفسير د.أوزلر الإذن بالحديث..و استعبطت كى أثير هذه القضية فى الفصل..ذكرت شيئا ما عن سربرنيتشا وقلت أننى سمعت أن الأمم المتحدة تواطأت فى هذه المذبحة التى راح ضحيتها ثمانية ألاف رجل مسلم من المدنيين فى يوم واحد..وهنا تعالت تساؤلات الطلبة..أولا: كيف قتل ثمانية ألاف شخص فى يوم واحد؟..ثانيا:لماذا كلهم رجال ماداموا من المدنيين؟..ثالثا: ولماذا كلهم مسلمين؟..رابعا: هل معقول أن تتورط الأمم المتحدة فى ذلك؟..هنا كان لابد أن تتوقف د.أوزلر وتحكى القصة الرهيبة التى لم أصدق أننى لم أكن أعرفها عندما قرأتها قبل أيام أثناء تحضيرى لهذا الدرس.

المكان: مدينة سربرنيتشا بجمهورية البوسنة والهرسك..

الزمان: يوليو 1995..

الحدث: أكبر مذبحة فى تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية..

القصة تبدأ كالتالى..

قوات صرب البوسنة –مدعومة من الحكومة الصربية- تطوق سربرنيشا حيث لجأ عشرات الألاف من المدنيين لحماية فى المدينة التى أعلنتها الأمم المتحدة "منطقة أمنة" منذ أبريل 1993..قوة الأمم المتحدة تتبين أخيرا صعوبة اموقف وتدرك على وجه اليقين أن المذبحة واقعة لا محالة..الصرب مقبلون متعطشون للارتواء من دماء البوسنيين المسلمين..ويبدأ الفصل الثانى من الجريمة عندما تفصل قوات الصرب رجال اللاجئين عن نسائها وأطفالها،ويتم التدقيق جيدا فى الحافلات المحملة بالنساء والأطفال لمنع أى رجل من الهروب من المدينة، فيما يقر الألاف من المدنيين والمقاتلين على طول "طريق الموت"..ثم يصدر زعيم صرب البوسنة رادوفان كاراديتش أوامره بتنفيذ الإبادة الجماعية..وفى خلال ساعات معدودة قتل ثمانية ألاف رجل مسلم ..حدث هذا فى قلب أوروبا فى منتصف تسعينات القرن العشرين، ولم تمنع التكنولوجيا أو الحضارة هذه الماسأة من اكتمالها حتى النهاية.

الجريمة وقعت وانتهى الأمر..المتهم الأول هم صرب البوسنة المتوحشين..وفى قائمة الاتهام تبقى الامم المتحدة متواطئة إذ أن المذبحة وقعت على مرأى ومسمع من القوة الهولندية الضعيفة التى كان من المفترض أن تحمى أهالى سربرنيتشا..طبعا كان مستحيلا أن تحمى قوة هولدية مكونة من 400 جنديا مسحين بأسلحة خفيفة منطقة تبلغ مساحتها 10 ألاف كيلومتر مربع، رغم أن القيادات العسكرية طلبت فى البداية 32 ألف جندى لتأمين المنطقة لكن العدد انخفض لخمسة عشر ألفا ثم ستة ألاف بعد عام من صدور قرار مجلس الأمن، وبقى من القوة الدولية 400 جنديا فحسب وقت تنفيذ المذبحة.

من يدفع الثمن؟..الحكومة الهولندية برئاسة فيم كوك تقدمت باستقالة جماعية فى ابريل 2002 عقب صدور تقرير رسمى يدينها عندما كلفت جنودها بـ"مهمة مستحيلة" وكانت النتيجة أكبر مذبحة تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية..محاكم جرائم الحرب لا تزال تواصل المهمة العسيرة وتتعقب المجرمين هنا وهناك وكلنا نتذكر إلقاء القبض على السفاح الصربى كاراديتش فى يوليو الماضى فى بلجراد فى مسرحية هزلية تبدو كأنها من سيناريو صربيا التى تسعى لكسب رضا أوروبا للانضمام إلى الإتحاد الأوروبى.



تبقى الحصية النهائية للضحايا 8373 شهيدا، منهم 500 تحت سن الخمسة عشر عاما وتضمنت القائمة أيضا عشرات النساء والفتيات..فى عام 2008 تم تحديد هوية 5600 شهيدا باستخدام الحامض النووى،ولا يزال الباقون فى عداد المفقودين حتى هذه اللحظة.



الأبرياء دائما يدفعون ثمن الحروب، لكن لابد أن يبقى هنالك من يطالب بحقوقهم..كل يهودى فى هذا العالم يعرف أن هنالك ستة ملايين يهودى قتلوا فى محارق الهولوكوست خلال الحرب العالمية الثانية بغض النظر إذا كان ذلك مزاعم يهودية أو حقائق تاريخية..كم منا يعرف أن هنالك ثمانية ألاف رجل مسلم قتلوا فى يوم واحد فى سربرنيتشا ؟الأرقام لا تكذب والتاريخ يقول أن 11 ألف ألباني قتلوا على يد الصرب في حرب كوسوفو 1999، وهرب مليون ألباني آخر من كوسوفو.. اختلفت الأرقام في حرب البوسنة 1995، لكن الإحصائيات المختلفة قدرت أن عدد الضحايا من الألبان لن يقل عن 70 ألف ألباني إلى جانب تهجير أكثر من مليون ألباني،واغتصاب 44 ألف أمرأة مسلمة على أيدى الجنود الصرب!

صحيح أن هذه القصة كئيبة وماساوية،لكن ينبغى أن نعرفها جميعا..ولما كنت قبل بضعة أشهر من الان لا أعرف عنها شيئا،فقد قررت أن أشارككم إياها كما تحمست لجعل البروفسير تحكيها لنا جميعا قبل أشهر.

سربرنيتشا..تذكر هذا الاسم جيدا،فمن العار ألا نعرف جميعا سربرنيتشا..

علاء مصباح



فى 11 يوليو 2008

الفصل الثانى (أيام فى الأمم المتحدة)


من كتاب (هذه هى أمريكا)




اليوم تمر الذكرى الخامسة عشرة لهذه المذبحة، فى نفس اليوم الذى يلتقى فيه فريقا هولندا وأسبانيا فى نهائى كأس العالم الذى سيراه مئات الملايين فى قارات العالم الست..لماذا لا يقف اللاعبون الهولنديون ولو دقيقة حدادا على أرواح الثمانية ألاف ضحية مسلمة، كنوع من الاعتذار للعالم وللإنسانية جمعاء عما ارتكبته حكومتهم وما ارتكبته القوة الهولندية وما اقترفته الأمم المتحدة من ذنب فى حق البشرية؟

فى 11 يوليو 2010

Wednesday, June 30, 2010

علاء مصباح يتعاقد مع نهضة مصر لنشر كتابه الجديد

وقع الكاتب علاء مصباح عقد نشر كتابه الجديد مع دار نهضة مصر للنشر والتوزيع
مزيد من التفاصيل تنشر لاحقا

علاء مصباح يفوز فى المسابقة الأدبية المركزية

 اعتمد د. أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، نتيجة المسابقة الأدبية المركزية لعام 2009/ 2010، والتي أقامتها الإدارة العامة للثقافة العامة التابعة للإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة سعد عبد الرحمن، وأسفرت عن فوز 17 أديبا في مجالات المسابقة المختلفة. وجاءت نتيجة المسابقة على النحو التالي: في مجال الرواية: فاز هاني عبد الرحمن عبد المقصود القط "محافظة المنوفية" بالجائزة الأولى عن رواية "أنهار متوازية" وقيمتها 3 آلاف جنيه.

كما فازت نجلاء محمد عزت عبد الحافظ الطيري "محافظة قنا" بالجائزة الثانية عن روايتها "لا ترتعبي.. ما في الجبة غير الريح" وقيمتها ألفا جنيه، وفاز بالجائزة الثالثة علاء مصباح عبد المحسن عبد الرازق "محافظة الدقهلية" عن رواية "يوليو" وقيمتها ألف وخمسمائة جنيه.

وفي مجال المجموعات القصصية: فاز بالجائزة الأولى محمد علي إبراهيم رمضان "قنا" عن مجموعتـه "حُب...!" وقيمة الجائزة ثلاثة آلاف جنيه، وفاز بالمركز الثاني عشم الله مكادى عبد العليم إبراهيم "المنيا" عن مجموعته "أوراق صفراء" وقيمة الجائزة ألفا جنيه، وفازت بالمركز الثاني "مكرر" سحر عبد المجيد السيد عبد ربه "الجيزة" عن مجموعتها "تعاود عزلتها والرحيل" وقيمة الجائزة ألفا جنيه، وفاز بالمركز الثالث مصطفى محمود ذكي محمد نصر "الإسكندرية" عن مجموعته "مشهد من ليل القاهرة" وقيمة الجائزة ألف وخمسمائة جنيه.

وفي مجال ديوان شعر الفصحى: فاز بالمركز الأول محمود عبد الله عبد العليم حسن "مدينة 6 أكتوبر" عن ديوانه "لهذا الليل صوت خاص" وقيمة الجائزة 3 آلاف جنيه، وفاز بالمركز الثاني أحمد حسن محمد حسن بصل "الشرقية" عن ديوانه "صحو برائحة الضحى" قيمة الجائزة ألفا جنيه، وفاز بالمركز الثالث أحمد زكريا عبد الصمد إبراهيم "القاهرة" عن ديوانه "جسدي سفينة" وقيمة الجائزة ألف وخمسمائة جنيه، وفاز بالمركز الثالث "مكرر" مؤمن محمد محمد علي مؤمن "بني سويف" عن ديوانه "تحت رجَّة الحنين"، وقيمة الجائزة ألف وخمسمائة جنيه.
وفى مجال ديوان شعر العامية: حجبت الجائزة الأولى، بينما فاز بالجائزة الثانية هاني سيد أحمد رمضان عوض "كفر الشيخ" عن ديوانه "كراكيب إحساس" وقيمة الجائزة ألفا جنيه، وفاز بالجائزة الثالثة يحيى قدري محمد المغازي "الدقهلية" عن ديوانه "كهربا ربَّاني" وقيمة الجائزة ألف وخمسمائة جنيه.

وفي مجال المقال الأدبي: فاز بالجائزة الأولى د.شعيب خلف محمد عبد الرحيم "المنيا" عن مقالة "الشعرية المغايرة ومبالغة المفارقة في ضد رغبتي لأحمد المريخي" وقيمة الجائزة ألف وخمسمائة جنيه، أما الجائزة الثانية فقد حجبت، بينما فاز بالجائزة الثالثة محمود أحمد محمود ذكري "القاهرة" بالمقال الأدبي "الأعمال الشعرية لبدر الديب.. مداخل أولية بين يدي النص". وفي مجال أدب الطفل: فاز بالمركز الأول محمد عاشور محمد عبد العزيز "6 أكتوبر" عن كتابه "صندوق وفاء وقصص أخرى" قيمة الجائزة 3 آلاف جنيه، بينما حجبت الجائزة الثانية، وفازت بالجائزة الثالثة أميمه محمد محمد عز الدين "الشرقية" عن كتابها "بيرانا بيرانا" وقيمة الجائزة ألف وخمسمائة جنيه، وقد حجبت الجوائز الثلاث في مجالي الدراسات النقدية وتحقيق التراث

عن موقع جريدة الشروق

Monday, May 24, 2010

كيف غيرتنى الجامعة الأمريكية؟

لازلت أذكر ذلك اليوم الخريفى قبل خمس سنوات وأنا أحمل كراسة المحاضرات وأتجه للطابق الثانى فى المبنى الرئيسى بمقر الجامعة الأمريكية بالتحرير لأحضر أول فصول معهد اللغة الإنجليزية، وعيناى تتجول هنا وهناك مستعيدا كل ما أحمله من هيبة وتقدير ورهبة لهذا الكيان الغامض الذى صرت جزءا منه، ولا يزال أستعيد عبارات أمى الغاضبة لأنى تركت كلية الطب وأقاربى الذين لامونى لأنى "ضيعت مجموعى" وأصدقائى الذين حذرونى من "العيال اللى شايفة نفسها هناك" والشيخ الذى نقل أخى لى فتواه بأن دخول الجامعة الأمريكية "حرام شرعا"!

يومها كنت ذلك الفتى القادم من عالم مختلف حاملا أحلاما وطموحات كبيرة، غريب فى مجتمع لا أعرف فيه أحدا، اتخذت قرارا لا رجعة فيه أن أتحدى رغبة أهلى وأثبت لهم أننى لا أريد أن أكون طبيبا وأنى لن أضيع فرصة المنحة الدراسية فى جامعة أبناء الصفوة..كان على أن أقضى ترما دراسيا فى اللغة الإنجليزية أستكشف فيها الجامعة بحذر، ثم ترم أخر فى علوم الكمبيوتر لأتخذ القرار الصعب الذى كان على أن أقنع به نفسى أولا ثم أقنع به أهلى..أريد دراسة ما أحب..الإعلام.

الان ولم يتبق لى سوى أسابيع معدودة قبل أن أتسلم شهادة تخرجى فى الجامعة الأمريكية، أتوقف لأتساءل: هل حقا تغيرت؟ عندما أخوض نقاشا اليوم مع أصدقاء الثانوية وأختلف معهم فى رأى جوهرى، ينظر لى أحدهم لائما ويقول:"أمريكا غيرتك يا علاء"..وأنا لا أنكر ذلك أبدا، لقد غيرتنى أمريكا مثلما غيرنى الجامعة الأمريكية، لكننى بصفة خاصة أؤمن أن من غيرنى هم الناس الذين قابلتهم هنا وهناك..المكان لم يغيرنى، ثقافة من حولى هى من غيرتنى.

لم أندم يوما على ناد دخلته أو نشاط مارسته هنا، كل فرصة أن ألتقى بمن يختلف عنى فى الفكر فى الدين فى اللغة فى الوجهات السياسية، كل من قابلته أو تعرفت عليه أو اقتربت منه، وراء كل شخص قصة، يمكننى أن أستفيد منه بشىء، أو أفيده فى شىء، يمكنه أن يغير فى شيئا، أو أغير فيه شىء أخر.. قابلت كل الوجوه السياسية والدينية والأخلاقية..فى عامى الأول فى الجامعة كنت أكتب فى دايمنشنز وكان معنا ضمن فريق التحرير من يكتب مسبحا بحمد الحزب الحاكم، ومن يتحدث باسم المعارضة، كان معنا شيوعي وإخوانيا وعلمانيا..كل هذه الخلفيات المختلفة قابلتها فى أول أيامى واصطدمت بها وتأملتها فى صمت ،لأتعلم عن حق القاعدة الجوهرية..الاختلاف فى الرأى ينبغى ألا يفسد للود قضية.

نعم، لقد غيرتنى هذه الجامعة..لم تغيرنى وحدى، بل أراها غيرت كل من حولى.هناك من عرفته متدينا متشددا فى أول أيامى هنا صار اليوم ملحدا مجاهرا فخورا، من تخلت عن حجابها "عشان تعيش شبابها"، ومن تخلت عن ملابسها الضيقة وارتدت إسدالا..الانطباعات الأولى عن الأشخاص تدوم طويلا، فليس من السهل أن تنسى كيف كان هذا أو ذاك عندما قابلته أول مرة وكيف صار الان..أفكاره، ملابسه، لغته..كلنا تغيرنا..لكن الأهم ألا ننسى أصلنا، وأن نؤمن أننا قد تغيرنا حقا "للأفضل"، والأفضل دائما مصطلح نسبى..ما هو أفضل لك لن يكون كذلك لغيرك.
علمتنى الجامعة كيف أتعلم بفلوس الأمريكان وفى الوقت نفسه لا أجد غضاضة فى نفسى أن أنتقد سياستهم الخارجية بل وأكتب كتابا كاملا أحكى فيه تجربتى فى بلادهم، دون أن أتردد لحظة أن أقول أن "هذا أعجبنى" و"ذاك لم يعجبنى"..هل حاسبنى أحد على ما قلته وما كتبته؟..لا.. علمتنى أمريكا ما لم تعلمنى إياه بلادى..حرية التعبير!

أيضا لقد غيرنى أصدقائى..حينما أرى أحدهم يضحى بوقت فراغه فلا يخرج مع رفاقه أو يقضى ليلته أمام التليفزيون أو يسافر مع أهله إلى الساحل لأنه يريد أن ينظم حفلا للأيتام..حين يضطر أحدهم ألا يفطر مع أهله فى رمضان لأنه مرتبط بتوزيع وجبات الإفطار على الفقراء فى مصر القديمة.. وحين أقابل من يصارع ويعمل ويجاهد من أجل فكرة يؤمن بها يريد أن يجعل منها واقعا..وحين أصادق من يؤمن بنفسه وبأحلامه رغم كل التحديات وكل من يحاولون باقناعه بأنه مجرد طالب أخر..هؤلاء أكثر من غيرونى وحركوا فى شيئا لم يكن ليتحرك بدورهم..الإيمان بفكرة هو الدافع الأول لأن تسعى من أجل هذه الفكرة.


لقد غيرتنى أمريكا..لم أعد أرى العالم من وجهة نظر المتدين المنغلق الذى يصنف الناس على أساس أنهم "زينا" و"كفار"، ولم أعد أرى اليهود وحوشا جبابرة يقضون نهارهم وليلهم فى ابتكار وسائل جديدة لإبداة المسلمين..لم أر الأمريكان شعبا بغضيا يكره العرب كما كنت أتصور، ولم يعاملنى أحد هناك بعنصرية أو تكبر كما كنت أتخيل..أدركت أن الأفكار المسبقة هى أكبر خطأ يقع فيه الكثيرون..التجربة هى المعيار الأول للحكم.

نعم، غيرتنى أمريكا..أذكر هذه الرحلة الى مدينة سايلم فى ماساتشوسيتس حينما أصطحبنا زميل أمريكى اسمه جون أنا وصديقى المصرى أندرو، وقضينا يوما جميلا لطيفا انتهى بنا نحن الثلاثة فى غرفة واحدة صغيرة فى فندق على ضواحى المدينة الشهيرة، لأكتشف فى نهاية اليوم أن الأمريكى الذى عاملنا بكل هذا الود كان يهوديا قد زار إسرائيل من قبل مرتين..حينها كانت الصدمة الأولى، ووجدتنى أنتهز أول فرصة أنفرد بها بأندرو وأخبره مفزوعا:"جون طلع يهودى؟"..فيبتسم صديقى ويرد:"طب وفيها ايه؟"

نعم، لقد غيرتنى أمريكا ومن قبلها غيرتنى 
AUC..
لم أعد أحكم على البشر على تلك الأساسيات العرقية السخيفة التى نتربى عليها وتحشرها كتب المدارس فى أدمغتنا ونلتهمها كل يوم فى تليفزيوننا وصحفنا..صرت أفهم أن الفارق ما بين اليهودية والصهيونية هو نفس الفارق بين الإسلام والقاعدة..إذا ما قابلت هندوسيا لن أتجنبه لأنى "كافر بيعيد البقر" لكنه سأصافحه وأفهم أكثر عن فلسفته..لو صادقت شيعيا سأنتهز أى فرصة لأتعرف أكثر على مذهبه..لهذا تمنيت لو كان لى صديق جزائرى لأعتذر له عن كل السخافات التى صبها إعلامنا على بلاده وشعبها وتاريخهم العظيم.. صرت أؤمن بأن اختلافاتنا نحن البشر موجودة كى تقربنا أكثر لا لكى تفرقنا هنا وهناك، وربما كان هذا هو التغيير الأعظم فى طريقة تفكيرى..أن الله قد خلقنا جميعا شعوبا وقبائل لنتعارف لا لنتعارك
..


AUC Times
مايو 2010
 

Friday, April 23, 2010

حوار جريدة الدستور: د. منار الشوربجي: أمريكا تفتح قنوات اتصال مع كل الجهات في مصر..بلا استثناء

مر ما يقرب من عام ونصف علي وصول باراك أوباما إلي البيت الأبيض، ولم يشهد العالم تغييراً حقيقياً في السياسة الأمريكية رغم الوعود الكثيرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي أثناء حملته الانتخابية ورغم فوزه بجائزة نوبل للسلام ورغم كل ما قاله بشأن بداية جديدة في العلاقات بين العالم الإسلامي وبلاده، فهل كان أوباما خديعة كبري للعرب؟

طرحنا السؤال علي د. منار الشوربجي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، الحاصلة علي شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 2000، وصاحبة الكتب الثلاثة «كيف ينتخب الرئيس الأمريكي قيود وتعقيدات وأشياء أخري» و«أصوات أوباما الثلاثة - العرب في مرحلة ما بعد الأبيض والأسود» و«الكونجرس الأمريكي»، بالإضافة إلي عشرات الأبحاث والدراسات عن السياسة الأمريكية باللغتين العربية والإنجليزية.

 هل كان أوباما «خديعة كبري للعرب» فعلا؟

- لقد انتخب الأمريكيون أوباما ليهتم بمصالح الولايات المتحدة، فهو رئيس أمريكا ويسعي للحفاظ علي مصالح بلاده، من هذا المنطلق لابد أن يدرك كل الأطراف أنه لن يقدم هدايا مجانية لأحد، كل طرف لابد أن يعمل من أجل مصالحه.

المسألة الثانية المهمة: يسعي أوباما لإعادة انتخابه، من هنا يحدد الرئيس الأمريكي أولوياته، والداخل الأمريكي بالتأكيد هو الأولوية الأولي..كل القضايا الأخري تراجعت أمام القضايا الداخلية الأمريكية، الآن نحن في مرحلة سابقة علي انتخابات الكونجرس في نوفمبر 2010، هذه المرحلة لن يغامر فيها الرئيس باتخاذ أي قرار قد يؤدي لخسارة أصوات الديمقراطيين.

عندما جاء أوباما للقاهرة في يونيو وألقي خطابه للعالم الإسلامي كان في أوج شعبيته، كان علي العرب أن يستغلوا الفرصة ويتحركوا بمنتهي السرعة لالتقاط الخيط مما جاء في الخطاب الشهير، في هذا الوقت كان باستطاعة الرئيس الأمريكي أن يتخذ مواقف جريئة طالما في أوج شعبيته، بمجرد أن تبدأ شعبيته في الهبوط تقل قدرته علي اتخاذ القرار..كان علي العرب أن يصارعوا من أجل السباق لاتخاذ زمام المبادرة.الأطراف العربية المعنية استمعت لخطاب أوباما وانتظرت أن يقوم هو بالمبادرة، وهذا لا يجوز مع الاعتبارات الداخلية والخارجية الأمريكية.

وعلي الجانب الآخر حمل خطاب أوباما نقاطا إيجابية وسلبية، فقد حمل الخطاب الدور الإمبراطوري للولايات المتحدة، صوت الإمبراطورية كان واضحا حينما تحدث عن العراق، تحدث عن الانسحاب لكنه لم يذكر كلمة واحدة عن تعويض الشعب الذي تعرض لكل هذه المحن بسبب الاحتلال الأمريكي.

 إذن فأنت تؤكدين أن العرب هم المخطئون وهم من لم يستغلوا الفرصة التي قدمها لهم أوباما؟

- ما قدمه أوباما كان إيجابياً في البداية، كان واضحا منذ الحملة الانتخابية لأوباما أن الأمل هو حركة أوباما وليس أوباما نفسه، هذه الحركة أكثر تقدمية بكثير من المرشح أوباما، كان الأمل أن تظل هذه الحركة منظمة وتضغط علي أوباما بعد توليه منصب الرئاسة من أجل اتخاذ المواقف الإيجابية في الداخل والخارج وهذه القوي التقدمية في أمريكا هي الأمل في مساندة القضايا العربية، للأسف هذه القوي لم تنظم نفسها بعد انتهاء انتخابات الرئاسة، لم يعد هناك هذا الضغط علي أوباما، الضغط كله صار من اليمين الأمريكي ومن الوسط السياسي والقوي التقليدية التي تدفع لنفس المواقف العادية للسياسة الأمريكية.

> ما حقيقة المقولة السائدة عن أن السياسة الأمريكية واحدة ولا تتغير بتغير رئيس البلاد.. وهل يصلح تطبيق ذلك علي بوش وأوباما؟

- هذه المقولة ليست صحيحة، بدليل أنه في عهد بوش الابن حدث انقلاب علي كل الأسس الداخلية والخارجية، ربما هذا هو أفضل دليل علي كذبها، لكن في أحيان كثيرة يري الناس كثيرا أنه لا فرق بين رئيس جمهوري وديمقراطي، والسبب في ذلك أن كل رئيس يصل للحكم عبر توازنات القوي داخل حزبه،ولأن أمريكا تقوم علي نظام حزبين كبيرين، يكون كل حزب يسعي نحو الوسط السياسي لكي يفوز في الانتخابات الرئاسية، هذا هو السبب الذي يجعل البعض لا يري فرقاً بين الحزبين، وهذا الوسط السياسي ليس ثابتاً لكنه يتغير.

في عهد ريجان كان علي يمين الساحة السياسية الأمريكية في عام 1980 وعام 1984 مرة أخري، استطاع الفوز لأن الوسط السياسي ينحو منذ نهاية السبعينيات نحو اليمين،أي أنه ما كان ينظر إليه أنه يمين صار في الوسط السياسي وما في الوسط صار علي اليسار، إذن الوسط السياسي ليس ثابتاً.

 ماحجم تأثير اللوبي اليهودي في السياسة الأمريكية؟ وهل يمكن أن يحدث تصادم للمصالح بين إسرائيل وأمريكا ذات يوم؟

- أفضل نسميه اللوبي المناصر لإسرائيل وليس اللوبي اليهودي، لأن أنصار إسرائيل ليسوا فقط من اليهود، هناك مناصرون لإسرائيل ربما أكثر تشددا وهم اليمين الأصولي المتشدد، أما بالنسبة لتأثير اللوبي فلابد أن نضع هذا اللوبي المناصر لإسرائيل في السياق العام، جماعات المصالح هي أحد مفاتيح فهم السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، هناك الآلاف المسجلين رسميا في الكونجرس ووزارة العدل الأمريكية باعتبارهم يعملون في مجال اللوبي، وهم يقومون بالضغط علي الحكومة الأمريكية من أجل تحقيق مصالح بعينها.

اللغة المستخدمة في واشنطن هي جماعات المصالح، النظام السياسي لا يتعرف علي المصالح إلا من خلال الضغط من جانب جماعات المصالح، علي سبيل المثال كل جهاز كمبيوتر يفهم لغة معينة، لو حدثته بلغة أخري لن يتعرف علي مفردات هذه اللغة، لغته الأساسية هي جماعات المصالح، غير المنظمين سياسيا والذين لا يمارسون عملية الضغط السياسي لا يتعرف عليهم النظام السياسي الأمريكي لأنهم لا يتحدثون اللغة التي يتحدثها، في هذا السياق فإن اللوبي المناصر لإسرائيل واحد ضمن جماعات مصالح كثيرة، وهو يستخدم نفس أساليب جماعات المصالح، وهو واحد من أكثرهم فاعلية وقوة في الوقت نفسه.

تقوم جماعات المصالح هذه بتعبئة الأصوات في الانتخابات ليدلوا بأصواتهم ككتلة واحدة، وتقوم بتمويل الحملات الانتخابية والعمل علي التأثير في الرأي العام والإعلام، واللوبي المناصر لإسرائيل يستخدم كل هذه الآليات ويحقق نجاحات كثيرة في هذا الصدد، ويقوم بمتابعة السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل يوما بيوم ودقيقة بدقيقة، يقومون بمتابعة كل ما يجري في الكونجرس وفي كل لجانه ولحظة بلحظة وما يتم في كل الوزارات بشأن إسرائيل لحظة بلحظة.

ولعل أهم جماعات المصالح هذه هي أيباك «AIPAC» اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة- وهي اللوبي الرسمي المناصر لإسرائيل، وهي منذ عقد التسعينيات وهي تميل نحو اليمين، وصارت «أيباك» منظمة جدا وتجر الساحة الأمريكية فيما يتعلق بإسرائيل نحو الليكود الإسرائيلي، ويمينية هذه المنظمة جعلتها لا تمثل غالبية اليهود الأمريكيين الذين لهم مواقف كثيرة تختلف معهم، صارت مع الوقت هناك منظمات أخري مثل «J street» التي نشأت عام 2008 لتكون لوبي جديداً مناصرا لإسرائيل يعمل بالأساس من أجل منافسة أيباك ولإعطاء غطاء سياسي المسئولين السياسيين الامريكين الذين يتخذون أصواتا أكثر اعتدالا تجاه إسرائيل.

> بعد الخلاف بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل علي قضية المستوطنات، كيف ترين مستقبل العلاقة بينهما؟ هل تستسلم الإدارة الأمريكية لرغبات نتنياهو أم تصر علي تجميد الاستيطان؟

- هذا التوتر الأمريكي الإسرائيلي حقيقي، هناك فجوة بالفعل في العلاقة، لكن هذا التوتر لا يعني أن نتوقع اتخاذ الإدارة الأمريكية مواقف مناهضة لإسرائيل، هذا لن يحدث، القضية هي أن هذا التوتر بدأ لأن هناك نغمة جديدة داخل أمريكا تتحدث عن أن ما تفعله إسرائيل يهدد المصالح الأمريكية -بالذات الاستيطان - يعتبر تحديا لأمريكا ويضع مصالحها في خطر..هذا النوع من الخطاب كان موجودا في أمريكا طوال الوقت لكنه كان علي هامش السياسة الأمريكية، لكنه اليوم صار في المقدمة، إدارة أوباما تستخدم نوعا من الخطاب يكرس هذه الحالة، كثير من الرموز السياسيين الأمريكيين أصبحوا يعلنون ذلك بصراحة.

بايدن قال لنتنياهو إن ما تفعله إسرائيل يهدد حياة جنودنا في المنطقة، القضية أن تغيير الخطاب السياسي الأمريكي في حد ذاته يؤدي لنوع من التحول في الواقع.

لا أقلل هنا من قيمة التحول في الخطاب السياسي، فهو يغير الساحة السياسية الأمريكية، استطلاعات الرأي تؤكد أن غالبية الأمريكان يرون عدم قيام أمريكا باتخاذ مواقف بشأن الاستيطان يفقد أمريكا مصداقيتها في العالم.

صار لدي أوباما الآن غطاء سياسي من جانب عدد كبير من اليهود الأمريكيين، الذين صاروا قلقين بشدة مما تفعله إسرائيل لأنهم يعتبرون ما تفعله إسرائيل سوف يعني نهاية حل الدولتين بالاستيلاء علي الأرض وتصبح دولة واحدة ومع التطور السكاني يكون معناه انتهاء المشروع الصهيوني وانتهاء يهودية الدولة.

من أهم الأشياء اللافتة للانتباه أن شعبية أوباما في أوساط اليهود الأمريكية لاتزال أعلي من غيرها في الجماعات والقوي الإثنية والعرقية الأخري.

> هل تؤثر وسائل الإعلام في القرارات الرئاسية الحاسمة في أمريكا؟ وبأي درجة؟ وما نصيب مصر والشعوب العربية من ذلك؟

- العلاقة بين الرئيس الأمريكي ووسائل الإعلام ليست علاقة ذات اتجاه واحد بل ذات اتجاهين، كل منهما يؤثر في الآخر، الرئيس يستخدم الإعلام، والإعلام سلاح ذو حدين قد ينقلب علي الرئيس، أحد أهم مصادر قوة الرئيس هو قدرته علي استغلال منصبه المهم في إعادة تشكيل الرؤي السياسية للأمريكيين، وهو نوع من التأثير الذي يدركه أوباما جيدا ويستخدمه جيداً.

والإعلام أيضاً يؤثر علي الرئيس، أحياناً استخدام الصورة في الإعلام يكون مؤثرا للغاية علي الرأي العام الأمريكي قد يدفع الرئيس لاتخاذ قرارات بعينها، مثلا في حالة كلينتون حين تم القبض علي الجنود الأمريكان في الصومال وتم سحلهم في الشوارع، الصورة نفسها أحد أهم العوامل التي جعلت الكونجرس يتخذ موقفا مشدداً أدي إلي سحب القوات الأمريكية من الصومال.

لأسباب كهذه اتخذت إدارة بوش الابن قرارا مبكرا بعد غزو أفغانستان والعراق لمنع أي تصوير للنعوش المقبلة من أفغانستان والعراق، صار الجنود الأمريكان يدفنون في هدوء كامل بعيدا عن عدسات الإعلام الأمريكي، لأن تسليط الأضواء علي ذلك قد يؤدي لتذمر الرأي العام الأمريكي.

بعد سبع سنوات من غزو العراق.. من انتصر فعلا.. الأمريكان أم الشعب العراقي؟

- المؤكد أن أمريكا لم تنتصر، لكن فيما يتعلق بالشعب العراقي يجب علي أن أقول أن شعبا عظيما مثل الشعب العراقي قد نهبت ثرواته ودمرت بلاده وتم استهداف الذاكرة الجماعية عبر الاغتيالات المنظمة للأكاديميين والمثقفين، يصعب علي أن أقول أن هذا انتصار، لكن هذه الحرب أكدت أن القوة الغاشمة لا يمكنها إخضاع الشعوب وهذه فكرة كان يروج لها المحافظون الجدد.

 هل يمكن مقارنة موقف أمريكا في حرب العراق بموقفها إبان حرب فيتنام؟

- الحقيقة أن الموقف الأمريكي في العراق وأفغانستان بالغ الصعوبة، القضية ليست العراق فقط حتي بعد زيادة الجنود في أفغانستان صارت مشكلة كبري لأمريكا التي تستنزف الكثير من الأموال هناك، هذا الاحتلال يؤدي إلي ترويع الآمنين، أعداد القتلي صارت مذهلة.

 لماذا تبدو أفغانستان مستعصية هكذا علي الولايات المتحدة؟ وما المخرج الأمريكي المفترض من هذه الورطة؟

- مستعصية لأنها حالة احتلال، أي احتلال لابد وأن يكون مستعصيا وغير مقبول، المشكلة في زيادة عدد القوات، استخدام استراتيجية ملاحقة التمرد، أدي لزيادة عدد القتلي والجرحي بين المدنيين، لأن هذه الاستراتيجية تم تجريبها قبل ذلك في فيتنام والعراق، صارت لدي أصحاب الضمائر الحية في العالم عبارة شفوية معناها استخدام القوي الغاشمة، تسعي لاستمالة المدنيين إلي صفك ضد الذين يحاربونك، هذه الاستمالة لا تحدث إلا باستخدام القوي الغاشمة التي تجعل المدنيين يدركون أن الأمريكان أقوي بكثير من الطرف الآخر خلاصا من الموقف، وعليه فقد شهد عهد أوباما استخداماً مكثفاً للهجمات من طائرات بلا طيار،هجمات مقصود بها قتل رموز القاعدة تحدث بلا تمييز وتحدث دماراً واسعاً جدا بين المدنيين.

> بعدما اختاره الحزب الديمقراطي مرشحا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. هل فرص أوباما في الاستمرار رئيسا لأمريكا دورة ثانية كبيرة فعلا؟وهل يظل الانكفاء علي الداخل الأمريكي منهجا لأوباما في السنوات المقبلة؟

- لا يوجد في أمريكا ما يمنع أي شخص أن يرشح نفسه في الحزب الديمقراطي أو الجمهوري دون استشارة هذا الحزب، أي شخص يمكن أن يرشح نفسه في الانتخابات التمهيدية، وبالتالي من السابق لأوانه القول إنه لا أحد يمكن أن يرشح نفسه أمام أوباما في حزبه.

حتي لو حصل مباشرة علي ترشيح حزبه الديمقراطي، يمكن أن يحدث الكثير في الانتخابات الرئاسية عام 2012، وهذا الكثير سيجيب علي التساؤل بشأن فرص فوز أوباما بفترة رئاسية جديدة.. المسألة ليست فقط المناخ السياسي العام وإنما إذا كان قد وصل لعام 2012 حاملا إنجازات يقولها بوضوح..أعتقد أن هناك مشكلة في الحقيقة حيث يظل السؤال بشأن علاقة أوباما بقواعد الحزب الديمقراطي، التي تشعر بإحباط كثير لإدارته الكثير من الملفات الداخلية والخارجية علي السواء، المشكلة إذا ما لم يستطع أوباما أن يفعل شيئا يؤدي إلي تحسين العلاقة، أكثر ما يفعله هؤلاء أن يقبعوا في بيوتهم لحظة الانتخابات بسبب إحباطهم ويؤدي ذلك لأن تحسم أصوات الجمهوريين النتيجة لصالح المرشح الجمهوري.

ستجيب الأيام علي كيفية تعامل أوباما مع قواعد الديمقراطيين في الانتخابات، هو في موقف صعب، لأنه نجح بأصوات المستقلين وأفكارهم وهي أفكار مخالفة للديمقراطيين.

 ما سر انقلاب الأمريكيين علي أوباما وتراجع نسبة التأييد له حسب استطلاعات الرأي الأخيرة؟

- هذا في الحقيقة ليس سراً وليس جديدًا، ويحدث مع كل رئيس أمريكي، في العام الثاني في الانتخابات الرئاسية تقل شعبية الرئيس الأمريكي، وهي مسألة معروفة في الحياة السياسية، فهو يبدأ بشعبية كبيرة وتبدأ هذه الشعبية في الانحسار وقد تقع أحداث تعيد شعبيته، وقد يخسر حزب الرئيس بعض المواقع والمقاعد في انتخابات الكونجرس بعد سنتين من توليه لأن شعبيته التي تحمل حزبه تكون قد انحسرت.

> إذا كان الشعب الأمريكي غير مهتم بالسياسة الخارجية ويهتم أكثر بشئونه الداخلية.. فما سر التعاطف الشعبي الأمريكي مع إسرائيل؟

- صحيح أن الأمريكان لا يهتمون إلا بالقضايا الداخلية، هناك تأثير للإعلام وهناك تأثير نفوذ الجمعيات المنظمة المناصرة لإسرائيل وتأثير للدور الايجابي الذي يلعبه اليهود الأمريكيون، اليهود يلعبون دوراً إيجابياً في المجتمع الأمريكي وهم جزء من كل الحركات الاجتماعية والحقوق المدنية، كانوا جزءا من مناهضة حرب فيتنام ولهم دور علي المستوي المجتمعي وكانوا جزءا من كل الحركات المهمة وشاركوا بالأموال ليس من أجل صالح إسرائيل فقط بل في أمور مجتمعية أخري مثل بناء المدارس وبناء المستشفيات وغيرها.، الشعب الأمريكي غير مهتم بإسرائيل لكنه يري جهود اليهود الأمريكيين، لذا فهو يأخذ بتقديرهم حولها.

> هل يمكن أن تتدخل أمريكا في صناعة مستقبل مصر في حالة الغياب المفاجئ للرئيس مبارك؟ وكيف سيكون شكل هذا التدخل إن تواجد؟

- في الحقيقة أرفض النظر إلي بلادي باعتبارها مفعولاً به لا حول له ولا قوة إزاء التدخل، أي عملية تدخل لا تحدث إلا بوجود قابلية لهذا التدخل، بالتأكيد القوي العظمي تسعي لأن يكون لها علي الأقل فهم واضح لما يحدث في الدول التي تهمها، في حقيقة الأمر السؤال المهم هل هناك ظروف موضوعية تخلق هذه القابلية للتدخل أم لا؟

هناك اتجاهان طوال الوقت في المؤسسات الكبري في مصر ، اتجاه يؤمن بقوة استقلالية مصر ولا يقبل مثل هذا التدخل، وهناك اتجاه آخر يقبل التدخل، في رأيي الشخصي الاتجاه الذي يرفض التدخل ويعتز باستقلالية مصر هو الذي سيسود ويحسم المسألة.

 ما هي قراءتك لتعامل الإدارة الأمريكية مع مشروع التوريث ونقل حكم الرئيس مبارك إلي نجله جمال؟

- تسعي أمريكا خاصة في عهد أوباما إلي فتح قنوات مع كل القوي السياسية في مصر، فتح هذه القنوات لا يعني أنها مع هذه القوي أو ضدها، معناه أنه لابد أن نتوقع قنوات مفتوحة مع كل القوي الأخري.

أوباما يتسم ببرجمايتيه الشديدة التي تعني أنه لا يركز كثيرا إلا مع ما فيه مصلحة أمريكا، لا يركز علي الخلافات إنما يركز علي الفرص، هذه الإدارة تفتح القنوات مع الكل سواء في مصر أو في خارج مصر، هم يفعلون ذلك أيضا مع إيران وسوريا وأي منطقة أخري.

> هل الولايات المتحدة- في العهود السابقة لأوباما وفي عهد الرئيس الحالي- صادقة فعلا في دعم الديمقراطية في دول العالم الثالث أو البلدان العربية تحديدا؟ كيف اختلفت هذه السياسة ما بين عهدي بوش وأوباما؟

- أندهش كثيرا عند الحديث عن أمريكا باعتبارها جمعية خيرية، وأندهش أيضا أن الناس لا تقرأ تاريخ أمريكا، الولايات المتحدة تدخلت في أمريكا اللاتينية ولم تكن القضية دعم الديمقراطية بل قامت أمريكا بقلب أنظمة ديمقراطية من تشيلي إلي إيران في الخمسينيات.

في عهد بوش القضية ليست الديمقراطية أبدا لكنها استخدام الديمقراطية ضد من يتحدي الهيمنة الأمريكية، بل من أجل نظم معينة لا علاقة لها بقضية الديمقراطية.

الشيء نفسه ينطبق علي أوباما، انظر إلي كيف تعامل مع الحركة السياسية في إيران أو ما يطلق عليه اسم الثورة الخضراء،الحذر هو الكلمة المناسبة لمفتاح حركة أوباما، لم يقل شيئا في البداية ثم بضغوط داخلية أمريكية تحدث في الموضوع دون أن يدعم الثورة مباشرة.

> كيف يمكن قراءة شكل تعاطي إدارة أوباما مع مشروع د. محمد البرادعي للتغيير في مصر؟ وهل يمكن أن تؤثر العلاقة المتوترة بين البرادعي وأمريكا قبيل غزو العراق علي شكل التعامل؟

- أولا العلاقة المتوترة كانت في عهد بوش الابن، ليس لدي معلومات عن تعاطي إدارة أوباما أي قنوات مباشرة للاتصال، لكن طبيعي كما قلت أن إدارة أوباما تسعي لفتح قنوات مع كل القوي السياسية.. هناك قنوات مع الكل دون استثناء.

هذا لا يعني دعما،لابد أن نتذكر أن أمريكا عندها عقدة إيران، أمريكا فوجئت بالثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات، وبالتالي هناك رغبة أمريكية دائمة لفتح قنوات مع كل القوي في كل الدول حتي لا تفاجأ بتطورات لا تعلم عنها شيئا.

إدارة أوباما هي الأكثر حذرا، أحد أهم ملامح إدارة أوباما عموما الحذر في أي التزامات دولية والحذر في دعم قوي أو تيارات حتي ولو من باب ألا توصم تلك هذه القوي والتيارات بأنها عميل أمريكي.

 كيف تقيمين العلاقات المصرية الأمريكية في الوقت الراهن وهل تحسنت فعلا كثيرا عن ذي قبل؟

- فيما يتعلق بالعلاقات إذا كانت المقارنة بعهد بوش فالعلاقات تحسنت بالتأكيد فهي أفضل من عهد بوش، هل معني ذلك أنها صارت أفضل؟ هذا سؤال مختلف.

العلاقات المصرية الأمريكية مفتاحها الأول قوة مصر الداخلية والإقليمية، بمعني أن مصر التي تتمتع بعافية داخلية وبها قوي حية تعبر عنها حكومتها تحمي في الحقيقة مصر كثيراً، أي حكومة حتي تدخل في علاقة مع قوة عظمي لابد أن تتمتع بإجماع وطني في الداخل حول مواقفها، عدم وجود هذا الموقف الداعم لها يؤدي لإضعاف موقفها أمام القوي العظمي، وهذا العامل لا يتحقق إلا من خلال ديمقراطية حقيقية.

المفتاح الثاني للعلاقات هو دور مصر الاقليمي، أمريكا تستفيد من أي دولة بناء علي قوة هذه الدولة. مصر كانت في السابق لها قيمتها ولها علاقات معقدة متشعبة في محيطها الاقليمي، يمكن لأمريكا أن تستفيد منها،بمعني أن تكون القاهرة لها علاقة بأطراف لا علاقة بين واشنطن وبينها وبالتالي تستفيد أمريكا من العلاقات المصرية. بعبارة أخري كلما زاد الدور الإقليمي القوي لمصر، تزداد قيمتها بالنسبة لأمريكا، وهناك أمثلة كثيرة حولنا مثل تركيا، ومثل دور السعودية -المحسوبة علي محور الاعتدال - في العراق ولبنان..بالتالي انكفاء مصر علي نفسها أدي لتراجع دورها مما يؤثر علي العلاقات المصرية الأمريكية

Saturday, January 2, 2010