Wednesday, March 23, 2016

«نوارة».. عن الحلم الذي صار كابوسًا

هل خمسة أعوام كافية حتى تقدم لنا الثورة المصرية أفلاماً روائية فيها من النضج الكفاية لرسم مصائر طبقات المجتمع المصري المختلفة؟.. في فيلم "نوارة" لهالة خليل – والذي افتتح فعاليات مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية- محاولات عديدة لطرح الأسئلة والبحث عن إجابات بخصوص الثورة.

 بسبب كونه آخر الأفلام الروائية التى أنتجت عن ثورة يناير، ربما يكون هو أكثر نضجا، وأكثرها ابتعادا عن أرض الثورة، فلم ينزل أبطاله ميدان التحرير، ولم يهتفوا في المظاهرات أو حتى يشاركوا بأي صورة في أحداث الثورة، اللهم إلا في احتفالات التنحي كما ورد على لسان نوارة "بقا احنا نقدر نشيل الريس؟!" نوارة – منة شلبي – الفتاة الفقيرة التى تنتمي إلى عشوائيات القاهرة، وتعمل في فيلا داخل كومبوند فاخر لدي أسرة الوزير السابق أسامة باشا– محمود حميدة- وزوجته شاهندة – شيرين رضا، ومهمتها هي تنظيف الفيلا كاملة وإعداد الطعام للكلب "بوتشي"، وبين عالم العشوائيات شديد الفقر وعالم الكومبوند شديد الثراء تأتي نوارة وتذهب كل يوم في رحلة البحث عن الرزق، لكن المختلف هنا أن الثورة قد قامت، وأن الفقراء صار بوسعهم أن يحلموا بالثراء، وأن الأغنياء من رموز النظام السابق لم يعودوا يشعرون بذات الأمان.

 في عالم نوارة البسيط، كل شىء معقد.. فالماء لا يصل حيها الفقير، وعليها أن تحمل الماء في الجرادل بجسدها الواهن لتنقله لبيتها، وخطيبها علي – أمير صلاح الدين – لا يستطيع أن يوفر لها بيتاً يجمعهما، وقد توقف حال محله الصغير بعد الثورة، وجدتها –رجاء حسين - مريضة تخاف أن تموت ولا يجدوا ماءً لغسل جسمها، وحماها مريض لا يجد سريراً في المستشفي الحكومي لإجراء عملية جراحية ستكلفه عشرة ألاف من الجنيهات في مستشفي خاص.. 

لكن الثورة قد قامت، والتليفزيون يبث أكاذيبه ليداعب خيال الفقراء، فالثراء قادم والأحلام صارت ممكنة. 

على الجانب الآخر لا يصدق الوزير السابق أسامة باشا – محمود حميدة في أداء مميز كالعادة - أن الثورة ستطوله، فهي مجرد هوجة وستنتهي"فوضي" كما يسميها، والفوضي لا يمكن أن تمسه، بينما زوجته شاهندة تقدم على الهروب إلى لندن، حيث ذهب جيرانهم –وكأن عالم الكومبوند بأكمله من الفاسدين ورموز نظام مبارك.. لكن حالة الإنكار التى يعيشها أسامة تنتهي عندما يصدر النائب العام قراره بالقبض على مبارك ونجليه، فيقرر الفرار مع أسرته إلى الخارج، وتصر شاهندة أن يبقى الحال على ما هو عليه في الفيلا حتى لا يلاحظ أحد غياب الأسرة الثرية، فلا بد أن تبقى نوارة في الفيلا، تنظفها كل يوم، وتقدم الطعام للكلب، وأن يغسل البواب – أحمد راتب- السيارات كل صباح. 

التطور الدرامي لسيناريو "نوارة" هو التطور الدرامي للثورة المصرية، بين أحلام الفقراء التى تصل لأقصى طموحاتها، عندما يسقط النظام ويتحدث الإعلام عن الأموال الطائلة التى هربها رموز النظام السابق خارج مصر، وكيف سيحصل كل مصري على "200 ألف من الجنيهات" عند توزيع الأموال العائدة، إلى نهاية الفيلم عندما يتحول حلم البطلة إلى كابوس، فتسقط هي الفقيرة الشريفة التى لم تسرق مليماُ ولم تنهب شيئاً في براثن الشرطة، بينما يفر سيدها الوزير السابق المختلس إلى لندن مع أسرته لينعم بحريته. 

تعددت الخيوط الدرامية في الفيلم ما أفقده الكثير من وحدته، بين قصة الحب الصعبة بين منة شلبي وخطيبها –زوجها رسميا، ومعاناتهم في البحث عن عش الزوجية، وعلاقة الخوف ثم الصداقة بين منة والكلب "بوتشي"، وحماها المريض الذي يحتاج إلى المال لإجراء العملية الجراحية، وشقيق الوزير الذي يهاجم الفيلا بحثاً عن الأسرة الهاربة حتى لا يسقط وحيدا في تهم الفساد، ليضرب نوارة في مشهد صادم. 

كما أسرفت هالة خليل في تكرار نشرات الأخبار وحلقات برامج التوك شو، موثقة لنا تلك الشهور القليلة التى تلت ثورة يناير، ومركزة في الوقت ذاته على أموال رموز نظام مبارك، وكأن المصريون قد قاموا بالثورة واهتمامهم ينصب على نصيبهم من ثورات البلد المنهوبة فقط، وقد بدا أن كل ما تحدث عنه الإعلام في هذه الشهور الخطيرة في تاريخ مصر هو معاقبة نظام مبارك والانتقام من رجاله فقط. 

يبقى أجمل ما في "نوارة" هو الأداء المميز لـ"نوارة" – منة شلبي – نفسها، تلقائيتها الشديدة في الحديث بأسلوب فتاة مصرية فقيرة من قلب العشوائيات، خوفها الأنثوي الفطري من نباح الكلب الضخم وحنانها عليه عندما صارا صديقين، ضحكاتها الصافية التى تتزامن دموع أمها وهما يتحدثان عن حلم الأم لزيارة بيت الله الحرام، وصمودها العنيد أمام إلحاح خطيبها لممارسة الحب في الفيلا الخالية التى تركها أصحابها. 

قد تكون النهاية صادمة لكثير من المشاهدين، عندما تدفع نوارة ببساطتها وطيبتها ثمن الثورة، فتُتهم بالشرقة والزج بها في عربة البوكس، ولكن أليس ذلك هو مصير الثورة المصرية بعد خمسة أعوام من قيامها؟ ألم يفقد البسطاء وظائفهم ويتحول الثوار إلى عملاء ويحصل الفاسدون على البراءة ويقبع البسطاء خلف القضبان بينما لا تزال أموال رموز النظام السابق في أمان؟ -

رابط المقال على اليوم الجديد

No comments:

Post a Comment