Monday, May 11, 2009

بص وطل : حكايات من مصر : جبل موسى



مشكلتنا أن بلادنا عامرة حقاً بكل ما تشتهيه الأنفس من مغامرات، لكننا لا نأبه بها.. لم أفكر يوماً أن أنني سأتسلّق جبلاً في مصر، لكنني فكرت في هذا جدياً عندما ذهبت إلى أمريكا، وقمت به بالفعل، بينما الأمر ذاته موجود في بلادنا وعلى نحو أكثر متعة وتشويقاً بكثير، تَسلّق جبل موسى في سيناء، الجبل الذي نادى الله موسى وكلمه عنده، يفوق تسلق جبال نيوبولتز القصيرة في الولايات المتحدة متعة بعشرات المرات.

لم أكن وحدي وإنما كانت هناك مجموعة من الأصدقاء تصادف وجودهم في سيناء في الوقت نفسه، أعددنا حقائبنا واستعددنا لتسلق جبل موسى.. اتخذنا أماكننا داخل الحافلة، وقد بدا أثر النوم على العيون المفعمة بالحماس، التي تتبيّنها من بين الكوفيات الملفوفة بإحكام حول الوجوه.. كانت التعليمات تقتضي أن نعدّ أنفسنا لمواجهة درجة الصفر عند قمة الجبل، وبهذا وجب علينا أن نحشر أجسادنا داخل عدد من البلوفرات والمعاطف والكوفيات والبنطلونات -ونصحنا مشرفو الرحلة أن نرتدي بنطلونين معاً!.

في الساعة الثانية صباحاً وصلنا إلى دير سانت كاترين.. الدير محاط بالأشجار الجميلة ولا نستطيع أن نتبيّن منه سوى أسواره الخارجية في ظلام الليل، لسوف نراه واضحاً بعد ساعات خلال رحلة العودة من القمة إلى السفح.. لا تتعجلوا!

ثمة طريقان لصعود جبل موسى.. أولهما -وهو الطريق الأسهل والذي سنصعده بعد دقائق- طريق الجمال أو طريق عباس باشا الذي أمر الخديوي عباس حلمي الأول بتمهيده في القرن التاسع عشر ويبدأ من السور الشرقي لدير سانت كاترين، ويستمر لولبيا حتى منطقة فرش النبي إيليا وبها درجات السلم إلى قمة الجبل.. يتميّز هذا الطريق بإمكانية أن تصعده الجمال؛ لهذا يسمى بطريق الجمال.

الطريق الثاني هو طريق الرهبان ويقع خلف السور الجنوبي لدير كاترين، وقام رهبان الدير بصنعه وتصل عدد درجاته إلى 3700 درجة، ويمر بكنيسة العذراء وقناطر إسطفانوس، التي كان يجلس عليها أحد الرهبان قديماً لسماع اعترافات المذنبين والدعاء لهم.. هذا الطريق صعب ولا يُفضّله السياح وإن كان أسهل كثيراً في الهبوط.

ها نحن الآن عند سفح جبل موسى.. لا نستطيع أن نتبيّن معالم الجبل الذي نحن بصدد صعوده خلال الساعات القليلة القادمة.. عند السفح نعبر بوابة الأمن ويسألنا الضباط بالإنجليزية عن وجهتنا.. يكتشف أننا مصريون فيرحّب بنا.. يبدو أنه من النادر أن يرى مصريون هنا يفعلون ذلك في بلادهم.. وفعلاً طوال الرحلة كان كل من رأيناهم من الأجانب ولم نرَ مصريين غيرنا!

وبدأت الرحلة.. الجو بارد لكنك لن تشعر بهذه البرودة مع الملابس الثقيلة التي ترتديها، ناهيك عن أن المجهود البدني الذي تبذله سوف يزيد من حرارة جسمك.. الظلام مسيطر فلا يبدده سوى ضوء القمر الخافت ودوائر الضوء المنبعثة من كشافك وكشافات زملائك.. حاول أن تنسى الوقت تماماً؛ لأن أمامك ما لا يقل عن ثلاث ساعات قبل الوصول إلى القمة.. أعرف أنك تتعجل رؤية المنظر الخلاب لسيناء من أعلى قممها، لكن ما فائدة الوصول للقمة في وسط هذا الظلام الحالك؟.. لقد بدأنا التسلّق في الثانية صباحاً حتى نصل للقمة مع الفجر حتى نرى أضواء الشروق الأولى، فلا تُسرّع من خطواتك حتى لا تتعب سريعاً، وحاول أن تُحافظ على خطوتك ثابتة حتى لا تتأخر أو تتقدّم عن مجموعتك، فتجد نفسك مفقوداً على الجبل وسط مجموعة أخرى من الأجانب..

لاحظ معي أن الطريق الذي تصعده طريق مهده البدو منذ زمن وسط الصخور؛ ليدور بصورة حلزونية حول جبل موسى سالكاً مساراً صاعداً، فهو ليس بطريق مباشر من السفح إلى القمة.

من حين لآخر يرى متقدّم موكبنا جملاً على يمينه يحمل أحد الأجانب أو البدو، فيُصيح ليُنبّه الآخرين من خلفه: "جمل على اليمين"، فتنتقل الصيحة من شخص إلى آخر حتى تتردد الصيحة: "جمل على اليميييييييين.."، وقد يحدث العكس عندما يأتي الجمل من الخلف.. الملاحظ هنا أن بعض الأجانب المسنين أو غير القادرين على صعود الجبل، يصعدون الجبل راكبين الجمال التي يؤجرها لهم البدو، كما أن الجبل بأكمله تحت سيطرة البدو فهو جزء من منطقتهم يسكنونه ويعيشون فوقه ويعرفون ممراته وطرقه عن ظهر قلب.. لذلك لا تتعجب كثيراً من هؤلاء القوم الغارقين في الظلام الذين تجدهم يميناً ويساراً خارج دائرة الضوء على جوانب الطريق الصاعد، مما يجعلك تتساءل: ماذا يفعلون في هذا الوقت وفي هذا المكان؟.. والجواب الدائم: إنهم -ببساطة- في بيتهم.. الجبل هو بيتهم!..

حتى عندما كنا نتوقف من حين لآخر في إحدى الاستراحات الممتدة على طول الجبل، كنا نقابل البدو هناك ساهرون يبيعون المشروبات الغازية والبسكويت والشيكولاتة بأسعار سياحية كالعادة، ويمكنك أن تجلس وتطلب كوباً من الشاي أو القهوة أيضاً..
مع مرور الوقت بدأنا نشعر بالإرهاق لاسيما أننا لم نحظَ بوقت كافٍ للنوم.. لانزال نصعد الجبل باستمرار.. بعضنا قد انشغل بمناقشات حامية والبعض الآخر يغني غناءً جماعياً لتقضية الوقت.. رغم برودة الجو وانخفاض درجة الحرارة مع زيادة الارتفاع، إلا أن المجهود والعرق جعلنا نتخلى عن بعض ما نرتديه من الملابس الثقيلة.

وأخيراً وصلنا إلى المرحلة الأخيرة من الجبل.. وصلنا إلى درجات السلالم الحجرية -عددها 750 درجة- التي تقودك إلى القمة مباشرة.. هنا يتخلّى السياح عن جمالهم ويرتجلون..

وأخيراً وصلنا إلى القمة.. نحن الآن على ارتفاع 7495 قدماً أو 2285 متراً هي ارتفاع جبل موسى، كلا ليست هذه أعلى قمة في مصر.. انظر أمامك ولسوف ترى قمة الجبل المواجِه لك.. نعم هذه قمة جبل كاترين أعلى قمة في مصر ويبلغ ارتفاعها 2637 متراً.. يمكننا أن نسلك طريقاً جبلياً مختصراً من قمة موسى إلى قمة كاترين يسمّونه طريق شيخ سيدنا موسى ويستغرق نحو 3750 خطوة فحسب.

هنا كلم الله سيدنا موسى "عليه السلام"، وهنا ألقى عليه الوصايا العشر.. ومن هنا يمكنك أن ترى أعلى قمم جبلية في مصر.. سلاسل الجبال العظيمة تمتد حولك في كل صوب.. لست وحدك الذي ترى هذه المناظر الخلابة، فربما أخذتك روعة الطبيعة وجمالها عن رؤية هؤلاء الجالسين على القمة ملتفين بالأغطية الثقيلة ينتظرون لحظات شروق الشمس.. هؤلاء سياح من كل أنحاء العالم قضوا ليلتهم يصعدون الجبل مثلنا وها هم قد سبقونا ينتظرون لحظات الشروق بشغف.. شغف تراه في عيونهم وفي عدسات كاميراتهم المترقبة بنفس الشغف والحماس.

هنالك مسجد صغير يمكنك أن تنتهز فيه فرصة تواجدك في هذا المكان المقدس لتصلي، وهناك الباعة الذين يبيعون منتجات خزفية متنوعة.. القمة متاحة أمامك لتتجول فيها حيثما شئت لتتأمل هذا المنظر البديع شديد الجمال..

الكلمات لا يمكنها أن تصف مدى روعة متابعة شروق الشمس من قمة الجبل.. القرص الذهبي يبرز رويداً رويداً من خلف الجبال؛ لينشر ضوءه في السماء.. الأفق يتلوّن بمزيج من الأحمر والبرتقالي في منظر سحري، تشرد في روعته لدقائق حتى يملأ الضوء الأفق، وتنتهي هذه اللحظات الساحرة بعد أن غمرت الشمس قمم الجبال حولك فبدت كلها واضحة أمامك وبدت قمة جبل كاترين واضحة تماماً بدورها.

والآن تحين رحلة العودة.. بعد التقاط عشرات الصور، بدأ السياح رحلة النزول، وبدأنا بدورنا نستعد لرحلة جديدة أسهل نوعاً من الصعود وإن كانت لا تقل كثيراً عنها مدة.. النزول أسهل دائماً طالما النهار ينيرنا بضوئه، وطالما كل شيء كنا نراه غامضاً مخيفاً أثناء الصعود صار واضحاً جليًّا أثناء الهبوط..

وفي العاشرة صباحاً كنا نستقل الحافلة من مدينة كاترين للعودة من حيث أتينا، لا نصدق أننا قضينا اثنتا عشرة ساعة نتسلق جبل موسى، وأن هذه الساعات الطويلة قد مرّت بهذه السرعة وكل هذه المتعة.. حان الآن الوقت لنستريح قليلاً.. بل كثيراً!
المقال على بص وطل:
http://www.boswtol.com/5gadd/nsahsah_247_026.html

2 comments:

  1. أنــا هبقي هنــاك بكـــره ان شــاء الله ... مقــاله مفيده و سلســـه و شكــرا لمشـــاركتنــا المعلــومــات :)

    ReplyDelete

  2. تعتبر مدينة العين السخنة من افضل المناطق المتيمزه في الترفيه اسعار فنادق العين السخنة علي اعلي مستوي ومتيمزه ايضا بالخدمات الفنادق 5 نجوم وعلي اعلي مستوي وباقل سعر .
    http://www.agztna.com/eye.php

    ReplyDelete