Monday, May 11, 2009

بص وطل: إسكندرية بيروت



"إسكندرية/ بيروت" الاسم وحده يلفت النظر، ويُعبّر بقوة عن مضمون هذه المدوّنة التي حوّلتها دار الشروق إلى كتاب ممتع ضمن إصدارات سلسلة "مدونات الشروق".. الكاتبة هي نرمين نزار -خريجة قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية- والتي عمِلت فيما بعد مع اللاجئين الأفارقة، وهي لبنانية الجنسية تُقيم في مدينة الإسكندرية، مغرمة بحب المدينتين بيروت والإسكندرية.

تحكي لنا نزار عن أيامها في العمل مع اللاجئين الأفارقة، ونظرتهم السلبية إلى المصريين قائلة: "خمس سنين ونصف أعمل مع اللاجئين، أبدأ الحوار معهم بتشككهم أني سأتفهمهم وأحترمهم؛ لأني "مصرية".. فأرد بأنني لست مصرية؛ ليبدو لهم فوراً بعض الاطمئنان النسبي".

ثم تحكي لنا عن دهشتها من التعامل مع اللاجئين الصوماليين.. كان كل من قابلتهم منهم مهذبين جداً وهادئين، بينما راحت هي تبحث بين الوجوه عن هؤلاء الهمج الذين يجوبون الشوارع بالسلاح ويرتكبون حوادث الاغتصاب الجماعية، وعمن يقتحمون البيوت ويسرقونها وعن الأطفال الذين سيطرت على عقولهم المخدّرات فتحوّلوا لمقاتلين يُطلقون النار على المارة بلا تمييز، لكنها لم تجد أحداً ممن تبحث عنهم فراحت تتساءل: "ذلك التعطّش الجماعي للدماء.. هل العنف يُولد عنفاً؟!.. هل حقاً يُمكن أن أتحوّل لشخص آخر عنيف لمجرد أني محاطة بآخرين يمارسون العنف؟!.. ما هي اللحظة التي تنهار فيها المدنية في أماكن معينة فتسقط كل الأقنعة عن سكان تلك الأماكن، ويظهر الشر المجرد والعنف الجماعي المجرد".

العامية المصرية تحتل جزءاً كبيراً من تدوينات الكِتاب بحكم إقامة نزار في مصر منذ فترة طويلة.. عندما تحكي لنا قصة الفتاة الشابة ماريا التي تعاني من سرطان في جذع المخ حيث تقول: "كل اللي جه في بالي إن بنت رقيقة جداً عمرها 19 سنة بتموت وإني لأول مرة مش قادرة أتصرف فعلاً ومش هاعرف أقول لناس بحبهم ما تقلقوش أنا هاتصرّف..".

ثم تحكي لنا حنينها للإسكندرية، وتعقِد مقارنة بينها وبين القاهرة فتقول: "عندما أسير في شوارعها بملامحي المختلفة القليلة جداً وملابسي المختلفة في أحيان معينة لا ألفت النظر بنفس الوضوح والفجاجة التي يكون عليها الأمر في القاهرة، في الإسكندرية المحلات أنظف والشوارع أكثر تنظيماً، والأهالي أكثر مرحاً، الموسيقى حاضرة أكثر والذهاب للسينما لايزال احتفالاً".

في تدوينة "من قلبي سلام لبيروت" حالة مشابهة من الشجن والحنين، لكن لبيروت هذه المرة: "أنا أيضاً أذكر رائحة البحر في عين المريسة، وأعشق السمك في جبيل، جبيل تحديداً رغم طول الساحل أدلدل قدمي في مياه المينا ثم نتعشّى سمك عند بير العبد.. وربما سهرة في بيت أهل سيثنيا في بحنس يقرأ فيها أشعار محمود درويش من الذاكرة...".

"في الانتظار" تدوينة للمقارنة بين الإسكندرية وبيروت.. الكاتبة تجلس على كوبري ستانلي تتأمل سقوط الشمس في البحر، وهي تحكي لنا عن شعورها بينما هي بدأت تستعيد حبها لنفسها من جديد وتعيش حالة من الصفاء الذهني تتذكر فيها بيروت وتقارنها بالإسكندرية: "الإسكندرية وبيروت.. بيتا روحي.. بينهما عشرات التشابهات ولدي عشرات الأسباب لأحب كلاً منهما على حدة".

ثمة خواطر عن الحرب لابد أن تخرج من مدونة لبنانية مثل نرمين، تتساءل فيها: "هل انتصرنا؟.. لا أعلم حقاً.. كل ما أعلمه أن خسائر إسرائيل أكبر مما توقعوا وهذا دائماً جيد.. أعلم أن هناك في بيروت أماكن لم تقف وأن بيتي مازال واقفاً، ستعود الصنائع حديقة وربما أدخلها في يوم ما؛ لألعب كرة مع الصغير، وبما لن أحبها في نهاية الأمر".

تتخلخل التدوينات مقاطع من أغاني لفيروز أو مقاطع أخرى منقولة من أعمال يحيى الطاهر عبدالله أو حتى كلمات أغنية لمارسيل خليفة عن قصيدة لمحمود درويش، فتجد نفسك تنتقل من مقال جميل إلى كلمات أغنية ولا علاقة بينهما إلا أن الكاتبة نزار هي من كتبت المقال وهي من أحبّت الأغنية واختارت أن تضعها على مدونتها.

الكتاب ممتع ويشحنك بحالة من الحنين والحب للمدينتين العريقتين الإسكندرية وبيروت، كما يجعلك تشارك نرمين نزار ذكرياتها وأحلامها ومشاعرها العميقة، وهو أجمل ما في الكتاب.
المقال على بص وطل:
http://www.boswtol.com/aldiwan/nkasakees_247_02.html

No comments:

Post a Comment