Monday, May 4, 2009

حكايات من جوه 2 على بص وطل : الحياة فى بساطة..



لأسباب كثيرة يختلف اليوم في "بساطة" عن اليوم في أي مكان آخر.. "بساطة" نفسها تعد مكاناً غير تقليدي لابد أن تقضي فيه يومك بشكل غير تقليدي أيضاً..

في السادسة صباحاً -بل قبل السادسة للبعض- كنا نستيقظ دائماً.. صوت منبه الموبايل يتعالى من كل كوخ، ومعه يتثاءب أحدهم وينهض آخر ويغلقه ثالث؛ ليختطف بضع دقائق أخرى من النوم.. بالماء البارد يغسل الكل وجوههم ويصلون الفجر جماعة في المسجد، قبل أن نتجمّع جميعاً في الريسبشن في انتظار الإفطار الذي يعدّه أصدقاؤنا اللي في الفريق المقرر عليهم إعداد الإفطار اليوم.. وتذكّر أنك ستُعد الإفطار مع فريقك في يوم لاحق أيضاً!.

والإفطار في بساطة بسيط ككل شيء آخر.. الفول والبيض والطعمية والخبز الساخن الذي خرج من الفرن تواً.. تتسابق مع زملائك الآخرين للانتهاء من الإفطار، ليبدأ الجدول اليومي.

في أوقات الفراغ يمكنك أن تنزل البحر، أو تلعب الكرة الطائرة مع أصدقائك على الشاطئ، أو تسترخي في اللوبي تتأمل السماء والبحر، وربما تُنافس صديقك في دور شطرنج كذلك.. هذه هي خياراتك القليلة في بساطة، ومصادر الكهرباء هنا محدودة للغاية؛ لذلك عليك أن تتخلى عن استعمال كمبيوترك المحمول لو كنت قد جلبت معك واحداً.

ورغم ساعات النوم القليلة -بالمقارنة عما اعتدنا عليه- فإنك تجد نفسك متيقّظاً نشطاً لسبب لا تدريه.. ربما هي شمس سيناء الصافية الجميلة التي تملأ عليك الأفق، فلا ينافسها سوى البحر الممتد على مرمى البصر أو الجبال المحيطة بالقرية من كل جانب.. ربما هو الهواء شديد النقاء الذي لم تلوّثه عوادم السيارات أو تُفسده الحضارة بعد.

وعالم "بساطة" صغير أيضاً، حيث إنك لا تصادف فيه وجوهاً جديدة كل يوم.. لابد أن ترى رئيس المشروع هنا أو هناك، فهو مهتم بالإشراف على كل شيء بنفسه.. ربما تراه بصحبة زوجته يمضي من المزرعة إلى المطبخ مراقباً ما يحدث.. لابد أن تداعب أيضاً هذا الطفل الوسيم الذي تجده جالساً فوق الحصير يلعب مع حرباء صغيرة طوال الوقت.. أما الطفل فهو ابنه، والحرباء هي لعبته الجديدة التي اتّخذها صديقاً له.. للحظات تتعاطف مع هذا الطفل الذي حرمته "بساطة" وخصوصيّتها الشديدة عن مصاحبة أطفال آخرين في مثل سنه، فلم يجد سوى هذه الحرباء الوحيدة بدورها؛ كي يتّخذها صديقاً مقرباً له.. كما سترى عدداً من الأجانب أو العرب الذين فضّلوا قضاء رحلتهم السياحية في بساطة عن أي قرية سياحية أخرى.

الوقت هناك يمر ببطء ممتع وليس مملاً.. تستطيع أن تستفيد من كل لحظة تمر.. كان المشرفون علينا حريصون على استغلال كل دقيقة؛ لينظّموا لنا شيئاً في برنامجهم.. من محاضرة شيّقة إلى لعبة ممتعة على الرمال إلى رحلة سفاري في قلب الصحراء.. في بساطة ستكتشف الحقيقة التي نعرفها جميعاً أن اليوم فعلاً 24 ساعة، ويمكنك أن تتحكم في كل ساعة من هذه الساعات الأربعة والعشرين لتستفيد منهم جميعاً!..

ومن بساطة انطلقنا إلى مغامرتنا الأولى في الصحراء.. في أربع سيارات لاندكروزر ركبنا، يقودها رجال يرتدون زي البدو ويتحدّثون لغتهم.. بعد قليل انحرفنا عن الطريق إلى قلب الصحراء، ثم نزلنا جميعاً لنبدأ جولة "هايكنج Hiking" في وسط الوادي.. رحلت السيارات بسائقيها، وبدأنا نحن رحلتنا على الأقدام في قلب الوادي.. رحلة أخرى مفعمة بالإثارة سرنا خلالها وسط جبال سيناء مع عشرات آخرين من السيّاح، نتأمل تقسيمات الجبال الفريدة ونصعد تلاً وننزل آخر ونقفز فوق صخرة ضخمة تعترض طريقنا أو نزحف تحت صخرة أخرى.. لا يمكنك أن تُصدّق كل هذه الروعة، وكل هذا الجمال الذي تكتشفه وسط الجبال، إلا إذا قمت بهذه الجولة الممتعة بنفسك.

وكان لدى كل واحد منا كيس كبير أو عصا ذات طرف مدبب، وكانت مهمتنا خلال الرحلة تنظيف البيئة من كل ما يلوّثها.. فإذا ما رأينا زجاجة ماء خالية أو عبوة بسكويت فارغة، كان أحدنا يلتقطها بعصاه ويُلقي بها داخل الكيس الذي يحمله زميله.. وفعلاً رأينا عشرات من ملوثات الطبيعة الخلابة لاسيما زجاجات المياه المعدنية.

وانتهت رحلتنا في الوادي بصعود جبل آخر، كانت سيارات اللاندكروزر تنتظرنا فوقه.. وكذلك بدأنا رحلة العودة إلى بساطة.

عندما يأتي الليل ويسود الظلام التام تشتعل أنوار بساطة القليلة جداً.. حينها يمكنك أن تجتمع مع أصدقائك في حلقة على الرمال تلتفّون فيها حول النيران التي تأكل الحطب.. البحر من خلفكم والسماء فوقكم بنجومها اللامعة والنيران تدفع ببعض الدفء في أوصالك لتقاوم ليل يناير البارد.. الهدوء التام يسود إلا من طأطاة النيران وهمسات أصدقائك..

وذات ليل كنا على موعد ببروفة صغيرة نتدرب فيها على صعود الجبال؛ استعداداً للمهمة الكبرى المقررة في اليوم التالي وهي صعود جبل موسى ذاته باستخدام الكشّافات التي ترسم دوائر مجنونة من الضوء، انطلقنا نصعد الجبل المواجِه لبساطة الذي يُمثّل حدودها الغربية.. لم يكن الأمر صعباً، لكنه بحاجة إلى أن تحفظ توازنك وتسلّط كشافك جيداً على موطئ قدميك حتى لا تُخطئ وتدوس فوق صخرة تفقدك توازنك.. إنها لعبة ممتعة أخرى من ألعاب الطبيعة التي تزخر بها بساطة، وعندما تصل لقمة الجبل يمكنك أن تقف لتتأمل بساطة من هذا الارتفاع العالي.. البحر والسماء والجبال تُحاصرك من كل جانب.. وظلام الليل وبرودته.. هل يوجد أروع من ذلك؟!..

قضينا على الجبل وقتاً لا بأس به، تلقينا فيه محاضرة سريعة عن نجم الشمال، وكيف يحددونه بين عشرات النجوم اللامعة في صفحة السماء.. محاضرة مهمة قد تحتاجها يوماً إذا وجدت نفسك قد ضللت الطريق في الصحراء!..

المقال على بص وطل:

http://www.boswtol.com/5gadd/nsahsah_246_013.html

No comments:

Post a Comment