Friday, April 3, 2009

بص وطل: خالتى صفية والدير لبهاء طاهر


"خالتي صفية والدير" أحد أهم روايات الكاتب الكبير بهاء طاهر، فيها القرية وحياتها بكل تقاليدها يقدمها لنا بهاء طاهر بحرفية ومهارة غير عادية، يحتل الدير فيها مكانة مقدسة بين المسلمين والمسيحيين على السواء، ويقوم فيها الفلاحون بدورهم كما للأثرياء فيها مكانتهم ومنزلتهم العالية.

شخصية الراوي لا تؤثر كثيرا في تتابع الرواية، فهو ليس بشخصية رئيسية تتحكم في مسار الأحداث لكنه شاهد دائم عليها، في البداية كان يكنُّ حبا كبيرا لخالته صفية، وهو يروي الأحداث من وجهة نظره كطفل صغير، ومع الوقت يكبر ومعها تكبر رؤيته.

يصف الراوي الدير قائلا: "كان مسموحا لي أن أتجول على حريتي في الدير الذي يشبه قريتنا إلى حد ما بطرقاته المتعرجة وبيوته أو قلاياته المبنية بالطين والتي تختلف فقط في أن سقوفها على شكل قباب".

يتحدث الرواي كثيرا في البداية عن شخصية المقدس بشاي وعن حكاياته الكثيرة وكيف كان عليما بتاريخ الدير وببواطن الأمور، كما يصفه بالطيبة والرحمة فيقول عنه: "كان المقدس بشاي آخر من يتمنى الموت لأي إنسان، رأيته بعيني ذات يوم يبكي وهو يضمد ساق أرنب جريح في مزرعة الدير بالقطن والشاش".

وينطلق الراوي بعدها للإسراف في الحديث عن الخالة صفية بعبارات قوية رنانة تبرز بلاغة بهاء طاهر الأدبية.. في العيد لابد أن يحمل أول علبة حلوى إلى الخالة صفية.. ويبدأ في وصف الخالة قائلا: "لم تكن خالتي صفية تكبرني بأكثر من سبع أو ثماني سنوات كما أنها لم تكن في الحقيقة خالتي".. "كنت أعتبرها أجمل إنسانة في العالم لا أستثني سوى فاتن حمامة التي وقعت في غرامها في فيلم شاهدته لها في سينما الأقصر".. "منذ الصغر كانت صفية تلفت الأنظار بجمالها".

ومثلما كانت الخالة صفية جميلة الجميلات بين البنات، فكان العم حربي أوسم الرجال.. يصفه الراوي قائلا: "كان حربي طويل القامة بشرته خمرية ولكن في خديه دائرتان مشربتان بحمرة الدماء يحددهما شاربه الأسود الذي يزيده وسامة بطرفيه المفتولين باستمرار".. "كان صوته القوي هو أجمل ما فيه، يعرف الكل ذلك فيلحّون عليه لكي يغني في الأفراح أو الليالي".

وكان السؤال الدائم المتردد على الأذهان.. ها هو ذا حربي، وها هي ذي صفية.. كل منهما أصلح ما يكون للآخر زوجا، لكن هل كانت صفية تحب حربي؟

الشخصية الثالثة المهمة بعد شخصيتي صفية وحربي هي شخصية البك القنصل.. "كان البك القنصل هو فخر قريتنا وأحب شخص في البلد إلى قلبي في طفولتي".. "برغم أن البك لم يعمل في حياته قط في السلك الدبلوماسي ولم يمارس شيئا غير الزراعة والتجارة فقد كان قنصلا حقيقيا".. "لم يتغير البك كثيرا بعد الثورة، صحيح أنه الوحيد الذي طبق عليه قانون الإصلاح الزراعي في بلدنا غير أنه تقبل ذلك بكل هدوء".

أمتع مواقف الراوية عندما يأتي البك القنصل بصحبة حربي لخطبة الخالة صفية.. فالبك ثري ويبحث عن زوجة ينجب منها ولدا ليرث ثروته.. لكن كيف يساعد حربي البك في أمر كهذا؟.. ألا يحب حربي الخالة صفية.. وتكون المفاجاة الكبرى أن توافق الخالة صفية على الزواج من البك القنصل!

السؤال هو لماذا قبلت صفية الزواج من رجل في سن والدها؟ لماذا لم ترفضه كما رفضت من قبله؟

"ومازلت أنا حتى الآن بعد أن كبرت كثيرا يحيرني هذا السؤال: لماذا أحبت صفية بعد حبها الأول الجميل ذلك الرجل الذي يبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف عمرها؟ وهل سأعثر في يوم على جواب حقيقي؟ وهل سأعرف إن كانت قد أحبّت القنصل لسبب ما أو لعلة ما أو أنها قد أحبته فحسب مثلما تحب أي امرأة أي رجل؟".

وتستمر الحكاية لتنجب صفية للبك الحلم المنتظر.. حسان، لكن تقع الكارثة وتقع محاولة للاعتداء على الرضيع حسان، لتتجه الشكوك نحو حربي.. وهكذا تتطور الأحداث شيئا فشيئا وتتخذ مسارا مثيرا للغاية لا نريد أن نكشفه للقارئ حتى لا نقلل من استمتاعه بقراءة هذه الرواية.
ثمة تحول غريب في شخصية خالتي صفية.. في بداية الرواية هي فتاة جميلة مهذبة يطمح فيها الكل للزواج منها.. في النصف الثاني من الراوية بعد مقتل زوجها نجدها قد صارت شخصية صلبة جافة قاسية القلب لا تفكر سوى في الثأر لزوجها.

يمثل الدير في القرية المكان الوحيد الآمن الذي يمكن أن يحتمي به حربي، وبهاء طاهر يقدم بذلك نموذجا فريدا من الوحدة الوطنية حيث لا يرفض الأقباط تواجد حربي في ديرهم بل ويعطونه الأمان ويحمونه أيضا.

كالعادة لابد أن يضع بهاء طاهر شيئا من التاريخ في روايته، وهنا تتزامن نكسة 1967 مع منتصف الرواية، ويذكرها الراوي قائلا: "كنا قد رأينا النكسة في البلد بأعيننا حين حلقت فوق رؤوسنا الطائرات ذات النجمة الشبيهة برؤوس الخناجر المتقاطعة".

إذا لم تكن قد قرأت هذه الرواية الممتعة فلابد أنك شاهدت أو على الأقل سمعت عن المسلسل التليفزيوني الشهير الذي جسد الرواية ولعب بطولته ممدوح عبد العليم وأخرجه إسماعيل عبد الحافظ، لكن لا شك أن الرواية تفوق المسلسل متعة وإثارة.. جرّب أن تقرأها حتى تعرف!

المقال على بص وطل:

http://www.boswtol.com/aldiwan/nkasakees_242_04.html



No comments:

Post a Comment