Thursday, April 30, 2009

مقال نانسى حبيب عن "هذه هى أمريكا" فى بص وطل

حكايات طالب مصري مع العم سام بنكهة هوليودية وعيون مصرية!

كتب كثيرة -لم يكن أولها كتاب رفاعة الطهطاوي "تخليص الإبريز في تلخيص باريس" ولا آخرها كتاب بيرم التونسي "السيد ومراته في باريس"- تناولت هذه الفكرة، أن يسافر الكاتب إلى بلد ما فينبهر بها ويحاول أن ينقل تجربته في كتاب. أما عن الكتب التي تتحدث عن أمريكا فهي أيضا كثيرة ومتنوعة.. منها الساخر ككتاب محمود السعدني "أمريكا يا ويكا" ومنها السياسي ككتاب محمد حسنين هيكل "الإمبراطورية الأمريكية".. فما الذي يميز هذا الكتاب إذن عن غيره؟

أولا.. أنه يرصد الحياة في أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر، أما ثانيا وهو الأهم فإن علاء مصباح -الكاتب- هو أحد هؤلاء البؤساء المحظوظين الذين أصابتهم عدوى الأدب كما قال عنه د. أحمد خالد توفيق في مقدمة الكتاب، لذا فإنه لا يكتفي هنا برصد ما يحدث من حوله وإنما يرويه لك بحس أدبي يجعلك تشعر بأنك تشاهد فيلما هوليوديا، يقدم لك المعلومة والمتعة ويمزج كل هذا بسخرية محببة يتمتع بها.

تجربة علاء التي يقدمها من خلال الكتاب فريدة، فهو طالب بالجامعة الأمريكية سافر إلى الولايات المتحدة لمدة أربعة أشهر وهي مدة ليست بالقليلة لكنها قد تمر سريعا على شخص آخر أما بالنسبة لعلاء فإنه أحسن استغلال كل ثانية في الشهور الأربعة. يقول الكاتب: "بين نيويورك وواشنطن وبوسطن ونيوجيرسي قضيت أيامي في الولايات المتحدة الأمريكية.. من قمة الإمبيرستيت رأيت نيويورك أشهر وأغنى مدن العالم.. جوار البيت الأبيض ركضت مع آلاف الأمريكيين متظاهرا ضد بوش في الذكرى الخامسة لبدء الحرب على العراق.. في قاعات مقر الأمم المتحدة تعلمت السياسة كما تقدمها القوانين الدولية التي طالما أضاعت حقوق العرب.. أمام نقطة الصفر أو مركز التجارة العالمي سابقا سرت أتلمس الجرح الأمريكي العميق.. وبين قاعات المحاضرات في جامعة نيوبولتز خضنا في كل القضايا المثيرة للجدل من الإرهاب والإسلاموفوبيا حتى العنصرية والشذوذ الجنسي وكل ما يشغل دماغ المواطن الأمريكي أو دماغي كعربي".

هكذا يُلخص علاء تجربته المغايرة ويدخل بنا ذلك العالم الغامض في ثمانية فصول تضمنها الكتاب، يبدأها بـ"حكايات نيوبولتز"، وكيف كانت البداية في مطار جون كينيدي مبشرة جدا حيث كانت أول طائرة رآها تحمل علم إسرائيل! ومن المطار انتقل إلى الجامعة وهنا حاول أن يتأقلم مع كونه صار أجنبيا لكنه كالعادة وقع في الفخ "أذكر أن أول شيء اشتريته كان كارتا للاتصالات الدولية كلفني عشرة دولارات وهو ثمن باهظ حقا -فيما بعد عرفنا أن هذا الكارت يخدعون به السياح مثلنا- واعتدنا بعدها على شراء كروت الاتصالات الرخيصة بدولارين أو دولارين ونصف من محطة بنزين قريبة يملكها أردني".. الضحك على السياح ليس في مصر فقط إذن!

وبدأت الدراسة.. وكانت المفاجأة أن عميد قسم إدارة الأعمال بالجامعة كان إيرانيا مسلما شغوفا بمصر إلى درجة الجنون يضع في مكتبه صورة لتوت عنخ آمون ونموذجا مجسما للأهرامات، وكان هذا هو الدرس الأول الذي تعلمه علاء في أمريكا.. "لاحظ معي أن الرجل إيراني، وإيران هي العدو اللدود لأمريكا، وبرغم ذلك صارت للرجل هذه المكانة الحساسة في الجامعة.. هذا البلد لا يميز بين الجنسيات والأعراق.. إتقانك لعملك وحده هو الدافع لأن تترقى مهما كان عِرقك أو جنسك أو ديانتك".

كانت المشكلة الأكبر أمام علاء أن الأمريكان يتصورون مصر عبارة عن صحراء جرداء تجوب فيها الجمال بجوار الأهرامات كما يتصورون المصريين يعيشون في الخيام ويتحدثون بالهيروغليفية! "يتصورونك في البداية لا تعرف شيئا عن أمريكا، لا تعرف ميل جيبسون ولم تسمع عن مايكل جاكسون ولا تملك بريدا إليكترونيا.. حينها تحتم عليك كرامتك أن تبهره بقدراتك الخارقة في استخدام الإنترنت وتحكي له أحداث آخر أفلام توم كروز -الذي لم يشاهده هو- ثم تدندن أمامه بأغنية لإنريكي إجليسياس قبل أن تبدي ضجرك من خطابات هيلاري كلينتون وتبدي إعجابك بباراك أوباما.. حينها سيقتنع زميلك الأمريكي تماما أنك قادم من بيئة لا تختلف كثيرا عن بيئته وأنك على الأقل تنتمي مثله للقرن الحادي والعشرين!"

بعد تجاوز صدمة البداية يأتي الفصل الثاني ليجعلك الكاتب تعيش معه "أيام في الأمم المتحدة". في الطابق الأول من مقر المنظمة تجد ركنا خاصا بالهولوكوست.. أي زائر للمبنى يشاهد فيلما يروي له عن تلك المذبحة التي ارتكبها هتلر حارقا ستة ملايين يهودي في أفران الغاز! الغريب أنك ستجد في نفس الطابق "الميتداشن رووم" أو غرفة التعبد وهناك يمكنك أن تجد مكانا لتصلي به الظهر.

بعدها يمكنك التنقل إلى الطابق الثاني لتجد نفسك وجها لوجه أمام قاعة مجلس الأمن، لكن هذا لم يكن كل شيء فمشاكل العالم هناك تبدو أكثر تعقيدا.. "إذا كنا نحن العرب لا نرى أمامنا سوى قضية فلسطين وغزو العراق وأفغانستان، فإن العالم أكثر قذارة من ذلك بكثير.. عندما تقرأ عن مذابح الصرب في البلقان، وتشاهد فيلما تسجيليا عن مذابح رواندا، وتتعمق في دراسة مذابح دارفور، ثم تخوض في غمار الحرب في الكونغو، حينها تدرك جيدا أن مذبحة دير ياسين وبحر البقر ليست أكثر مذابح التاريخ دموية كما تصورت ذات يوم.. بعض البشر أكثر قذارة من قتل ألف طفل في مدرسة ابتدائية.. هناك من يقتل 800 ألف بشري في أقل من شهر.. حدث ذلك في رواندا! هناك من يقتل ثمانية آلاف رجل مسلم في يوم واحد حدث هذا في البوسنة".. ثم تنتهي الجولة بتساؤل هام.. كل يهودي في هذا العالم يعرف أن هنالك ستة ملايين يهودي قُتلوا في محارق الهولوكوست بغض النظر عما إذا كانت تلك مزاعم يهودية أو حقائق تاريخية.. كم منا يعرف أن هنالك ثمانية آلاف رجل مسلم قُتلوا في يوم واحد؟

في الفصل الثالث "عزيزتي نيويورك" تدخل عالما جديدا، هذا العالم هو أمريكا التي نعرفها.. "مثلما لا يعرف أغلب الأمريكيين عن مصر سوى الأهرامات والصحراء والجمال فنحن أيضا نختزل أمريكا كلها في تمثال الحرية وناطحات السحاب وأفلام هوليود، وهو ما تقدمه لك نيويورك سيتي على طبق من فضة لكل سائح يريد أن يرى أمريكا التي يتخيلها".

تتجول هنا من المتاحف إلى الإمبيرستيت إلى تمثال الحرية وصولا إلى ما كان يُعرف بالوورلد تريد سنتر.. مثلا في متحف مدام توسو ستقف لتلتقط صورا مع المشاهير من محمد علي كلاي وأنجيلينا جولي إلى جورج بوش وياسر عرفات.. وحين تترك المتحف ستجد أمامك مبنى النيويورك تايمز أشهر صحف العالم. ومن فوق الإمبيرستيت أعلى ناطحة سحاب في العالم، ستقف لتتأمل نيويورك كلها.

ستبقى المشكلة التي تقابلك هي الطعام، لكنك ستفاجأ بعربات اللحم الحلال تقابلك أينما ذهبت في نيويورك وهي لا تقتصر على المسلمين فحسب إنما هي ملجأ كل جائع يبحث عن طعام زهيد الثمن. والغريب أنك دائما ما تجد فيها الفلافل لكنها ليست رخيصة كما قد تظن فثمن ساندوتش الفلافل لا يقل أبدا عن ثلاثة دولارات.

هناك ستصادف مصريين جاءوا إلى الولايات المتحدة بالصدفة بعد أن حصلوا على الجرين كارد وعاشوا سنين طويلة وهكذا تغيرت الأمور.. "جرين كارد وتذكرة سفر وأوراق تكتب بها شهادة ميلاد جديدة في أرض الأحلام.. تمضي خمس سنوات بالطول أو بالعرض ثم تصير أمريكيا بصفة رسمية بعد أن تحصل على الجنسية.. وحينها تكون قد صرت أمريكيا من أصل مصري".

وفي متحف الميتروبوليتان ستشعر أن قسما كاملا من المتحف المصري قد انتقل إلى هناك، أكثر من ستة وثلاثين ألف قطعة أثرية تشكّل محتوى القسم المصري هناك.. العالم كله يشاهده دون أن تعلم كيف انتقل كل هذا الكم من آثارنا إلى هناك؟!

ومن نيويورك، يأخذك الفصل الرابع إلى واشنطن.. لتكتشف أن واشنطن أفضل مدينة في العالم تتفسح فيها ببلاش! وإذا ما قررت الذهاب للتسوق فلا تندهش عندما تجد فستانا يصل سعره إلى ثلاثة ملايين دولار! هناك يمكنك أن تزور أثر واشنطن الذي يشبه المسلة الفرعونية وتزور الكونجرس قبل أن تكتشف وجود المركز الإسلامي حيث يمكنك أن تصلي الجمعة وبعد أن تخرج ستجد أمامك صلاة جمعة أخرى!.. "الخطيب الإيراني -الذي يصلي بالناس في الخارج- كاد أن يكون إمام المسجد منذ نحو ربع قرن، لكن لجرأته الشديدة في تناول قضايا الأمة الإسلامية تم عزله عن منصبه، وجيء بإمام آخر للمسجد يتحدث في أمور دينية عادية، رغم أن الخطيب الإيراني أكثر فصاحة وبلاغة وثقافة ممن سواه.. وهكذا منذ ذلك الحين صارت هناك صلاتان جمعة في نفس التوقيت.. إحداهما تدور داخل المسجد والأخرى يؤمها الخطيب الإيراني خارج المسجد بجمهوره المعجب بموهبته الخطابية".

وإذا ما ركبت المترو ستجد محطة اسمها البنتاجون.. هناك يمكنك أن تتجول بحريتك حول مبنى وزارة الدفاع بل وتلتقط ما تشاء من الصور دون أن تشاهد رجل حراسة واحدا أو لافتة على غرار "ممنوع الاقتراب أو التصوير"!

الفصل الخامس يأخذك مباشرة إلى بوسطن.. حيث تقع "هارفارد" أشهر جامعات العالم، و"سالم" مدينة السحر الأسود وستضحك كثيرا على قواعد اكتشاف ما إذا كانت المتهمة ساحرة أم لا.. حيث يتم قتل الساحرة وإلقاؤها في النهر، فإذا طفا جسدها كانت ساحرة وإذا غاص جسدها كانت بريئة.. حينها يمكنك أن تدعو لها بالمغفرة!

ومن بوسطن إلى حكايات الفصل السادس في نيوجيرسي، حيث انعقد مؤتمر رابطة الطلبة المسلمين.. الذين تربّوا ونشأوا في الولايات المتحدة ولا يُجيد أغلبهم العربية لكنهم جاءوا من مختلف الولايات للتعارف واللقاء.

وفي باترسون يمكنك أن تتناول غداء عربيا مائة في المائة.. ستجد لافتات المحلات بالعربية والإنجليزية، قوائم الطعام تتضمن ورق العنب والكباب أما الحلو فبسبوسة وبلح الشام! بل إنك ستجد هناك جرائد الإثارة التي تتصدرها صورة هيفاء وهبي!

آخر فصلين في الكتاب بعنوان "حكاياتهم" و"حكاياتنا".. يستعرض خلالهما الكاتب بسلاسة وعمق اختلاف وجهات النظر بيننا كعرب وبينهم كأمريكان، يضع يده على المناطق الشائكة ويضغط على منطقة الإصابة دون أن يتسبب في البتر، وإنما يجعلك تعيد التفكير من جديد في أشياء كنت تراها من قبل وكأنها مسلمات.. يحدثك تارة عن الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وتارة أخرى عن تليفزيون شالوم.. تلك الباقة الخاصة من القنوات التليفزيونية الموجهة للشعب الأمريكي والتي تبث برامج وأخبار يهودية طول الوقت. قبل أن يروي لك في غيظ عن ذلك الكتيب الدعائي الذي يتحدث عن الحروب العربية الإسرائيلية والذي يؤكد لك أن مصر لم تكسب قط حرب يوم كيبور (أكتوبر 1973) رغم أن المصريين يظنون ذلك! بل إنه وفي معرض تم إقامته في مبنى اتحاد الطلبة تجدهم يوزعون الفلافل على أنها "طعام إسرائيلي أصيل"!

والأمر لا يقتصر على الإسرائيليين، بل إنه في مادة الدراسات الإفريقية ستجد كتبا كثيرة تؤكد لك أن الحضارة الفرعونية شيّدها الأفارقة السود! بل وستجد بعض الطلبة يتحدثون عن اضطهاد الحكومة المصرية لأهالي النوبة والدليل "مقتل ملايين النوبيين" من أجل أهداف أنانية للحكومة وهي بناء السد العالي!

سيأخذك الكتاب في جولة ممتعة، تستكشف من خلالها أشياء عجيبة.. في أمريكا يمكنك أن تفعل ما تشاء تحت مسمى الحرية.. "تنظم محاضرة دينية عن الإسلام أو تقيم ندوة عن الهندوسية أو تعلق ملصقات ضد بوش أو حرب العراق.. إنها بكل بساطة الحرية بكل ما تعنيه الكلمة".. ستكتشف أن مصريا خدم في الجيش الأمريكي بل وفي العراق.. "هناك آلاف العرب يتطوعون سنويا في الجيش الأمريكي.. بعضهم يدخل الجيش على أمل أن يقضي فترة خدمته في الولايات، لكن الكابوس أحيانا يتحقق بعد شهور من الخدمة داخل البلاد ليجد نفسه على طائرة عسكرية أمريكية تحمله إلى بغداد.. وهنا لا مجال للتراجع.. عليه أن يثبت أنه أمريكي أولا.. يخدم جيش بلاده قبل كل شيء".. ستجد الهنود والباكستانيون يمرحون معا.. "ما أثار دهشتي للحظات هذا الجو الحميم جدا بين الهنود والباكستانيين، ولا أحد منهم يبالي بالخلافات السياسية العميقة بين الهند وباكستان، والدولتان كانتا على وشك حرب نووية عام 1998.. تصوّر شابا إيرانيا يصادق فتاة إسرائيلية.. الأمر لا يختلف كثيرا، لكن هذه هي أمريكا.. كل الجنسيات وكل الأديان وكل الأعراق في خليط واحد"!

هكذا وببساطة وبينما تمسك بالكتاب بين يديك.. ستكتشف أمريكا بكل تناقضاتها.. بكل ما فيها من تقدم وحضارة ورقي وحرية.. وكل ما فيها من ظلم وتعسف وأنانية بلا حدود.. ستكتشف أمريكا في عيون طالب مصري قضى فيها أربعة أشهر.. أمريكا التي لا يمكنك أن تتجاهلها مهما حاولت.. لأنها وببساطة.. هي أمريكا!

المقال هنا:
http://www.boswtol.com/aldiwan/nkasakees_244_02.html

No comments:

Post a Comment